الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الوصية بالثلث وقال الحسن لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث وقال الله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله

                                                                                                                                                                                                        2592 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث والثلث كثير أو كبير [ ص: 435 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 435 ] قوله : ( باب الوصية بالثلث ) أي جوازها أو مشروعيتها ، وقد سبق تقرير ذلك في الباب الذي قبله ، واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث ، لكن اختلف فيمن كان له وارث ، وسيأتي تحريره في " باب لا وصية لوارث " وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود ، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الإطلاق وقد تقدم في الباب الذي قبله توجيه لهم آخر .

                                                                                                                                                                                                        واختلفوا أيضا هـل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت ؟ على قولين ، وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني ، فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النخعي وعمر بن عبد العزيز ، وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجماعة من التابعين ، وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها ، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا ، وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة ولذلك لا تعتبر بها الفورية ولا القبول ، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم ، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية ، واختلفوا أيضا : هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ بما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به ؟ وبالأول قال الجمهور ، وبالثاني قالمالك ، وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا ولو كان عالما بجنسه ، فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك .

                                                                                                                                                                                                        ( فائدة ) : أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن المعرور بمهملات ، أوصى به للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد مات قبل أن يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بشهر ، فقبله النبي - صلى الله عليه وسلم - ورده على ورثته ، أخرجه الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن جده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن ) أي البصري ( لا يجوز للذمي وصية إلا بالثلث ) قال ابن بطال : أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له ، قال : ولذلك احتج بقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله والذي حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الثلث هو الحكم بما أنزل الله ، فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهي عنه . وقال ابن المنير : لم يرد البخاري هذا وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته إلا الثلث ، لأنا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله الآية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا سفيان ) هو ابن عيينة فإن قتيبة لم يلحق الثوري .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 436 ] قوله : ( عن هشام بن عروة ) وفي رواية الحميدي في مسنده عن سفيان " حدثنا هـشام " وليس لعروة بن الزبير عن ابن عباس في البخاري سوى هذا الحديث الواحد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لو غض الناس ) بمعجمتين أي نقص ، و " لو " للتمني فلا يحتاج إلى جواب ، أو شرطية والجواب محذوف ، وقد وقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ " كان أحب إلي " أخرجه الإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد بن عبدة أيضا وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ " كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلى الربع ) زاد الحميدي " في الوصية " وكذا رواه أحمد عن وكيع عن هشام بلفظ " وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع في الوصية " الحديث ، وفي رواية ابن نمير عن هشام عند مسلم " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ) هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث ، وكأن ابن عباس أخذ ذلك من وصفه - صلى الله عليه وسلم - الثلث بالكثرة ، وقد قدمنا الاختلاف في توجيه ذلك في الباب الذي قبله ، ومن أخذ بقول ابن عباس في ذلك كإسحاق ابن راهويه ، والمعروف في مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث ، وفي شرح مسلم للنووي : إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه وإن كانوا أغنياء فلا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والثلث كثير ) في رواية مسلم " كثير أو كبير " بالشك هل هي بالموحدة أو بالمثلثة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية