الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 14 ] وهو حجة قاطعة خلافا للنظام في آخرين .

                لنا : وجهان .

                الأول : ويتبع غير سبيل المؤمنين يوجب اتباع سبيلهم ، وهو دوري جعلناكم أمة وسطا أي : عدولا كنتم خير أمة والعدل لا سيما بتعديل المعصوم لا يصدر عنه إلا حق ، فالإجماع حق .

                الثاني : ما تواتر التواتر المعنوي من نحو : أمتي لا تجتمع على ضلالة ، ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن حتى صار كشجاعة علي وجود حاتم .

                ويرد على الأول أنها ظواهر ، وعلى الثاني منع التواتر بدعوى الفرق بينه وبين ما شبه به ، ثم الاستدلال بعمومه وهو ظني إذ يحتمل : لا تجتمع على ضلالة الكفر ، والأجود أنه مقدم على القاطع إجماعا ، فلو لم يكن قاطعا لتعارض الإجماعان ، أعني الإجماع على تقديمه ، والإجماع على أن لا يقدم على القاطع غيره ، وللنظام منع الأولى .

                التالي السابق


                قوله : " وهو حجة قاطعة ، خلافا للنظام في آخرين " يعني : الإجماع حجة قاطعة ، يجب العمل به عند الجمهور ، خلافا للنظام بتشديد الظاء والشيعة والخوارج ، قالوا : ليس بحجة .

                قال النظام : الإجماع كل قول قامت حجته ، ونسب في ذلك إلى أنه يدفع به شناعة قوله : إن الإجماع ليس بحجة .

                [ ص: 15 ] قوله : " لنا " أي : على أن الإجماع حجة " وجهان " أي : طريقان أو مسلكان : " الأول " : من وجوه :

                أحدها : قوله تعالى : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا [ النساء : 115 ] ، وجه الاستدلال بها أنه سبحانه توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين ، وذلك " يوجب اتباع سبيلهم " وإذا أجمعوا على أمر ، كان سبيلا لهم ، فيكون اتباعه واجبا على كل واحد ، منهم ومن غيرهم ، وهو المراد بكون الإجماع حجة .

                قوله : " وهو دوري " أي : الاستدلال بهذه الآية وغيرها من ظواهر الشرع ، على أن الإجماع حجة دوري ، أي : يلزم منه الدور ، لأن هذه النصوص ليست قاطعة في الدلالة على ذلك ، وإنما دلالتها ظاهرة ، لكن الظواهر إنما ثبت كونها حجة بالإجماع ، فلو أثبتنا كون الإجماع حجة بالظواهر ، لزم الدور .

                قلت : يمكن منع لزوم الدور هاهنا بأن يقال : لا نسلم أن الظواهر إنما كانت حجة بالإجماع ، بل بالوضع والعرف اللغوي ، فإن العرب كانت تستعمل الظواهر في كلامها ، وتتفاهم بها مقاصدها ، ولم يكن هناك إجماع ، ثم وردت أدلة الشرع من الكتاب والسنة على لسان العرب ، فسلكنا في الاحتجاج بظواهرها نهجهم في ذلك وحينئذ لا يلزم الدور المذكور .

                الوجه الثاني : قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا [ البقرة : 143 ]

                [ ص: 16 ] " أي : عدولا " خيارا ، كذلك قال أئمة أهل اللغة والتفسير :

                قال الجوهري : الوسط من كل شيء : أعدله ، وقال تعالى : جعلناكم أمة وسطا أي : عدلا ، ويقال أيضا : شيء وسط ، أي : بين الجيد والرديء وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : أمة وسطا قال : عدولا .

                قال أهل المعاني : قيل للعدل : وسط ، لتوسطه بين طرفي الإفراط والتفريط في أخلاقه .

                وقيل : شبه بوسط الشيء ، لأنه محفوظ مما يلحق الأطراف من الآفات ، والدليل على أن المراد بالوسط العدول ، قوله تعالى : لتكونوا شهداء على الناس [ البقرة : 143 ] أي : لتشهدوا يوم القيامة على الأمم أن أنبياءهم بلغوهم أمر الله تعالى بالتوحيد وأحكامه ، فدل على أن المراد بالوسط من تقبل شهادته ، خصوصا في ذلك اليوم ، على ذلك الخلق العظيم : وهو العدل وإذا ثبت أن الوسط في الآية الكريمة هو العدل ، فالاستدلال بها من وجهين :

                أحدهما : أن وصفهم بالعدالة في سياق المدح ، وإنما يحسن المدح إذا كانوا على الصواب في أقوالهم وأفعالهم ، وذلك يوجب أن ما اتفقوا عليه يكون صوابا .

                الوجه الثاني : أن الوصف بالعدالة ، إما لكل واحد منهم أو [ ص: 17 ] لمجموعهم ، والأول باطل قطعا ، لوجود آحاد الفساق فيهم كثيرا ، فتعين الثاني ، وهو أن الوصف بالعدالة لمجموعهم ، وذلك يقتضي أن ما يقولونه مجتمعين عليه حق وصواب ، لأن قائل غير الحق والصواب يكون كاذبا ، والكاذب لا يكون عدلا .

                ويرد على الوجهين : أن الصواب والحق ؛ تارة يكون عن إخبار ، فهو الذي يلزم وجوده في الأمة الموصوفة بالعدالة ، ويدل عليه سياق الآية الشريفة ، وهو كونهم جعلوا وسطا ليشهدوا على الناس ، والشهادة إخبار ، وتارة يكون الصواب والحق عن نظر واجتهاد ، وليس بلازم من الوصف بالعدالة ، والكلام هاهنا في الصواب النظري ، لا في الصواب الإخباري .

                الوجه الثالث : قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [ آل عمران : 110 ] ، والاستدلال بها من وجهين :

                أحدهما : ما سبق من أن هذا مدح لهم ، وإنما يحسن المدح إذا كانوا على الصواب ، والصواب يجب اتباعه . ويرد عليه ما سبق ، من أن الصواب النظري لا يلزم من ذلك .

                الوجه الثاني : أنه تعالى أخبر أنهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، واللام فيهما للاستغراق والعموم ، أي : يأمرون بكل معروف ، وينهون عن كل منكر ، وذلك يقتضي أن لا يفوتهم حق ولا صواب ، لا يأمرون به ، ولا يفوتهم باطل ولا خطأ ، لا ينهون عنه ، وهو يدل على أن كل ما اتفقوا [ ص: 18 ] عليه ، وتآمروا به حق وصواب ، وكل ما اتفقوا على نفيه ، وتناهوا عنه باطل وخطأ ، وذلك يفيد أن الحق والصواب من لوازم إجماعهم ، وهو المطلوب ويرد على هذا أن قوله تعالى : ( تأمرون ) و ( تنهون ) مطلق لا عموم له ، فيصدق بالأمر والنهي مرة واحدة ، وأن اللام في المعروف والمنكر لتعريف الماهية ، أو لبعض الجنس ، لاستحالة نهيهم عن كل منكر في الوجود بالضرورة ، وأنها ليست للاستغراق ، فلا يلزم ما ذكر .

                قوله : " والعدل " إلى آخره هذا بيان كيفية الاستدلال بقوله تعالى :

                جعلناكم أمة وسطا [ البقرة : 143 ] وتقريره : أنه - سبحانه وتعالى - أخبر أن الأمة عدول ، و " العدل " لا يصدر عنه إلا حق فالإجماع حق " لأنه صادر عنهم " لا سيما " إذا كان العدل عدلا " بتعديل المعصوم " فيكون الحق لازما له ، لا ينفك عن تصرفه . وقد بينا ما يرد عليه من أن الحق النظري لا يلزم ضرورة عن العدل ، بل الحق الإخباري هو المترتب على العدالة .

                الثاني : من المسلكين في أن الإجماع حجة : " ما تواتر التواتر المعنوي من نحو : أمتي لا تجتمع على ضلالة إلى آخره .

                وتقريره : أن الإجماع صادر عن مجموع الأمة ، والأمة معصومة والمعصوم لا يصدر عنه إلا الصواب .

                [ ص: 19 ] أما أن الإجماع صادر عن مجموع الأمة ، فلما سبق في حده ، ولأن الفرض ذلك ، ونعني بمجموع الأمة مجموع مجتهديها ، لأنهم قائمون مقام جميع الأمة ، إذ إليهم إبرام أمورهم ونقضها ، وحلها وعقدها ، وسيأتي الدليل إن شاء الله تعالى على أن غير المجتهد لا يعتبر في الإجماع ، وإن شاح الخصم في ذلك ؛ التزمنا قول القاضي أبي بكر في اعتبار مجموع الأمة المجتهدين وغيرهم ، ولا يضرنا ذلك ، ويلزم الخصم كون الإجماع حجة .

                وأما أن الأمة معصومة ، فلأن الأخبار النبوية في عصمتها بلغت حد التواتر المعنوي ، لاختلاف ألفاظها ، واشتراكها في الدلالة على أمر واحد ، وهو نفي الخطأ عنها ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : أمتي لا تجتمع على الضلالة لم يكن الله بالذي يجمع أمتي على الضلالة وفي لفظ : " على الخطأ " و سألت الله أن لا يجمع أمتي على الضلالة ، فأعطانيها ، أي : أعطاني تلك الخصلة المطلوبة . ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن . يد الله على الجماعة ، ولا

                [ ص: 20 ] يبالي بشذوذ من شذ ، من سره بحبوحة الجنة ، فليلزم الجماعة ،


                [ ص: 21 ] لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يظهر أمر الله ، من خرج عن الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ، من فارق الجماعة ومات ، فميتته جاهلية عليكم بالسواد الأعظم ، فإنه من شذ ، شذ في النار في أحاديث كثيرة من هذا الباب ، تناقلها الأئمة ، وتداولوها ، متلقين لها بالقبول ، غير منكرين لشيء منها ، حتى صارت لتواترها المعنوي كشجاعة علي ، وسخاء حاتم ، وذلك يقتضي عصمة الأمة من الخطأ .

                وأما أن المعصوم لا يصدر عنه إلا الصواب ، فلأن ذلك شأن المعصوم ومفهومه في عرف الشرع ، فثبت بذلك أن الإجماع الصادر عن الأمة المعصومة صواب ، والصواب يجب اتباعه ، وهو المراد بكونه حجة .

                قوله : " ويرد على الأول " إلى آخره ، هذا اعتراض على المسلكين المستدل بهما على أن الإجماع حجة .

                أما الأول : وهو الاستدلال بالآيات الثلاث ، فيرد عليه " أنها ظواهر " لا قواطع في الدلالة ، فلا يثبت بها الإجماع القاطع ، لأن الضعيف لا يصلح [ ص: 22 ] مستندا للقوي ، وهذا عين السؤال الدوري الذي سبق إيراده وجوابه .

                وأما الثاني : وهو الاستدلال بالأخبار الدالة على عصمة الأمة ، فيرد عليه منع تواترها التواتر المعنوي بدعوى الفرق بينها وبين ما شبهت به ، من شجاعة علي ، وسخاء حاتم ، وذلك لأنا إذا عرضنا على عقولنا الأخبار المدعى أنها تدل على عصمة الأمة ، والأخبار الدالة على شجاعة علي - رضي الله عنه - وسخاء حاتم ، وجدناها يعني العقول لا تصدق بالأول كتصديقها بالثاني ، بل تصديقها بالثاني أقوى بكثير جدا ، ولو كانت متواترة ، لساوت أخبار علي وحاتم في قوة التصديق بها ، لأن التواتر يفيد العلم كما سبق ، والإدراك العلمي لا يتفاوت بالقوة والضعف ، ألا ترى أن العقل جازم بوجود مكة شرفها الله تعالى ، ومصر ، وبغداد ، والبصرة ، وغيرها من الأماكن المتواترة جزما متساويا ، لتواترها ، بخلاف البصرة وضيعة من ضياع العراق ، يقال لها : صرصرا ، وغيرها من الضياع ، فإن الجزم بهما غير متساو ، لعدم تساويهما في التواتر ، فإن صرصرا ، لم يقع الجزم بها إلا عند من عاينها ، أو قرب منها ، فتواترت عنده ، بخلاف البصرة; فإنه يصدق بها من قرب ومن بعد ، فإن وجدت في نفسك تفاوتا بين التصديق بمكة وغيرها من البلاد; وأنه بمكة أشد تصديقا; فليس ذلك راجعا إلى حقيقة الجزم بها وبغيرها ، وإنما هو راجع إلى طرق الإخبار بمكة ، في كل عام ، على لسان [ ص: 23 ] من يقصدها من وفود الحاج; أما الجزم ، فحقيقته لا تتغير ، ولا تتفاوت .

                وإذا ثبت هذا ، ووجدنا الفرق بين أخبار علي وحاتم ، والأخبار المذكورة في عصمة الأمة ; دل على أنها ليست متواترة ، لأن أخبار علي وحاتم متواترة وهذه الأخبار دونها في جزم العقل بموجبها ، وما دون المتواتر لا يكون متواترا .

                سلمنا أن الأخبار المذكورة متواترة ، لكن الاستدلال بعمومها وهو يعني العموم ظني لا قاطع ، فيحتمل أن المراد منها : لا تجتمع أمتي على ضلالة الكفر ، ولا يلزم من ذلك عصمتها من الخطأ في الاجتهاد ، لأن الكفر أخص من الخطأ ، ولا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم ، مع أنه إذا اتجه حمل الضلالة على الكفر ، حمل عليه لفظ الخطأ في قوله : لا تجتمع أمتي على الخطأ وجعل الكفر مبينا له . وقوله : ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن حديث ليس في دواوين السنة المعتمد عليها ، وإنما يروى . وبقية الأحاديث إنما تدل على لزوم الجماعة ، لا لأن الصواب الاجتهادي لازم لها ، بل لأن ذلك أوقع للهيبة في نفس عدو الإسلام ، وأجدر باجتماع الكلمة ، والاحتراز من كيد الشيطان ، ولهذا جاء في حديث آخر : عليكم بالجماعة ، فإن الذئب يأكل القاصية شبه الشيطان بالذئب ، والمنفرد عن الجماعة بالشاة المتخلفة عن [ ص: 24 ] جماعة الغنم ، فيحكم الشيطان على المنفرد حكم الذئب على القاصية .

                ولهذا حكي عن بعض السلف أنه قال : لولا مخافتي من الوسواس ، لسكنت بلادا لا أنيس بها ، وهل يهلك الناس إلا الناس . وبتقدير صحة هذه الأحاديث ودلالتها على عصمة الأمة ، فهي معارضة بما يناقضها ، مما حاله في الصحة والشهرة مثل حالها ، وهو ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، والنصارى مثل ذلك ، وتتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وله من حديث عبد الله بن عمرو : أن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي قال الترمذي : حديث غريب . فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته تفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة ، فالأحاديث الأول لو دلت على عصمة الأمة ، لكانت إما أن تدل على عصمة جميعها ، أو على عصمة بعضها .

                والأول باطل ، لأن هذا الحديث قد دل على خطأ أكثرها ، وهو ثنتان وسبعون من ثلاث وسبعين فرقة في النار ، ومن يستحق النار لا يكون معصوما ، بل لا يكون صالحا ، فضلا عن معصوم .

                [ ص: 25 ] والثاني أيضا باطل ، لأن مجتهدي ذلك البعض ليسوا جميع مجتهدي الأمة ; بل هم مجتهدو جزء قليل من الأمة ، إذ كل فرقة من الثنتين وسبعين فرقة فيها مجتهدون ، فدل الحديث على أن جميع الفرق من الأمة . وحينئذ يصير تقدير أحاديثكم : لا يجتمع مجتهدو فرقة من ثلاث وسبعين فرقة من أمتي على الخطأ ، وهو خبط عظيم ، وصرف للفظ عن أكثر مضمونه . فتبين بهذا أن المسلكين المذكورين لا ينهضان بالدلالة على أن الإجماع حجة .

                قوله : " والأجود أنه مقدم على القاطع " إلى آخره . أي : والأجود في الاستدلال على أن الإجماع حجة هذا المسلك .

                وتقريره : أن الإجماع مقدم في الاستدلال على النص القاطع ، من الكتاب والسنة بالإجماع . ولا يقدم على القاطع غيره بالإجماع ، فلو لم يكن الإجماع حجة قاطعة " لتعارض الإجماعان أعني الإجماع على " تقديم الإجماع على النص القاطع " والإجماع على أن لا يقدم على القاطع غيره " وتعارض الإجماعين محال .

                قوله : " وللنظام منع الأولى " أي : منع المقدمة الأولى ، وهي قوله : الإجماع مقدم على النص إجماعا ، لأنه هو يخالف في ذلك ، فلا يثبت الإجماع بدونه ، إذ النزاع معه . وقد سبق تقرير تفسيره الإجماع بكل قول [ ص: 26 ] قامت حجته ، فإذا قامت حجة النص ، كان مقدما عنده على الإجماع الاتفاقي ، إذ ليس حجة عنده .

                وحينئذ إذا لم يثبت أن الإجماع مقدم على القاطع ، لم يلزم من عدم كون الإجماع حجة تعارض الإجماعين ، ثم استحالة تعارض الإجماعين مبني على أن الإجماع حجة قاطعة ، وهو محل النزاع ، فيكون دورا ومصادرة على المطلوب .




                الخدمات العلمية