الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 281 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء ، لأن الخطأ في ذلك إنما يكون بأن يشهد اثنان برؤية الهلال قبل الشهر بيوم ، فوقفوا في الثامن بشهادتهما ثم بان كذبهما ، أو يغم الهلال فوقفوا في اليوم العاشر ، ومثل هذا لا يؤمن في القضاء فسقط ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا غلطوا في الوقوف نظر إن غلطوا في المكان ، فوقفوا في غير أرض عرفات ، يظنونها عرفات لم يجزهم بلا خلاف لتفريطهم ، وإن غلطوا في الزمان بيومين بأن وقفوا في السابع أو الحادي عشر لم يجزهم بلا خلاف لتفريطهم ، وإن غلطوا بيوم واحد ، فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء . هذا إذا كان الحجيج على العادة ، فإن قلوا أو جاءت طائفة يسيرة فظنت أنه يوم عرفة وأن الناس قد أفاضوا فوجهان مشهوران حكاهما المتولي والبغوي وآخرون ( أصحهما ) لا يجزئهم ، وبه قطع المصنف في التنبيه وآخرون ، لأنهم مفرطون ، ولأنه نادر يؤمن مثله في القضاء ( والثاني ) يجزئهم كالجمع الكثير . قال أصحابنا : وحيث قلنا : يجزئهم فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد اليوم العاشر أو في أثناء الوقوف . ولو بان الحال في اليوم العاشر قبل زوال الشمس فوقفوا عالمين بالحال . قال البغوي : المذهب أنه لا يحسب وقوفهم ، لأنهم وقفوا متيقنين الخطأ بخلاف ما لو علموا في حال الوقوف فإنه يجزئهم لأن وقوفهم قبل العلم وقع مجزئا . هذا كلام البغوي ، وأنكر عليه الرافعي وقال : هذا غير مسلم له ، لأن عامة الأصحاب قالوا : لو قامت بينة برؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة بحيث لا يمكنهم الوقوف في الليل وقفوا من الغد وحسب لهم الوقوف ، كما لو قامت البينة بعد الغروب يوم الثلاثين من رمضان برؤية الهلال ليلة الثلاثين ، فإن الشافعي نص أنهم يصلون من الغد العيد ، فإذا لم يحكم بالفوات لقيام البينة ليلة [ ص: 282 ] العاشر لزمه مثله يوم العاشر - هذا كلام الرافعي ، وهذا الذي قاله هو الصحيح خلاف ما قاله البغوي والله أعلم .

                                      قال أصحابنا : لو شهد واحد أو جماعة رؤية هلال ذي الحجة فردت شهادتهم لزم الشهود الوقوف في اليوم التاسع عندهم والناس يقفون بعده ، فلو اقتصروا على الوقوف مع الناس في اليوم الذي بعده لم يصح وقوف الشهود بلا خلاف عندنا . وحكى أصحابنا عن محمد بن الحسن أنه قال : يلزمهم الوقوف مع الناس ، أي وإن كانوا يعتقدونه العاشر . قال : ولا يجزئهم التاسع عندهم . دليلنا أنهم يعتقدون هذا اليوم الذي يقف الناس فيه العاشر فلم يجز وقوفهم فيه ، كما لو قبلت شهادتهم . هذا كله إذا غلطوا فوقفوا في العاشر . أما إذا غلط الحجيج فوقفوا في الثامن بأن شهد بالرؤية فساق أو كفار أو عبيد ولم يعلم حالهم ثم علم ، فإن بان الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف فيه لتمكنهم منه ، وإن بان بعده فوجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين ( أحدهما ) يجزئهم كالعاشر وبهذا قطع المصنف والعبدري ، ونقله صاحب البيان عن أكثر الأصحاب ( وأصحهما ) لا يجزئهم لأنه نادر ، وبهذا قطع ابن الصباغ والروياني وكثيرون .

                                      وصححه البغوي والمتولي والرافعي وآخرون فهو الصحيح المختار ، والخلاف هنا كالخلاف فيمن اجتهد فصلى أو صام فبان قبل الوقت ، والصحيح هناك أيضا أنه لا يجزئه . والله أعلم



                                      ( فرع ) قال الروياني : قال والدي رحمه الله : إذا أحرم الناس بالحج في أشهر الحج بالاجتهاد فبان الخطأ في الاجتهاد خطأ عاما ففي انعقاد الإحرام بالحج وجهان ( أحدهما ) ينعقد كما لو وقفوا في اليوم العاشر غلطا ، ووجه الشبه أن كل واحد منهما ركن يفوت الحج بفواته ( والثاني ) لا ينعقد حجا وينعقد عمرة ، والفرق أنا لو أبطلنا الوقوف في [ ص: 283 ] العاشر أبطلناه من أصله ، وفيه إضرار . وأما هنا فينعقد عمرة ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في الغلط في الوقوف اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع كثير على العادة أجزأهم ، وإن وقفوا في الثامن فالأصح عندنا لا يجزئهم ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والأصح من مذهب مالك وأحمد أنه لا يجزئهم




                                      الخدمات العلمية