الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فائدة ) قدم الأولياء والأصفياء مصالح الآخرة على مصالح هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت المصلحتين ودرءوا مفاسد الآخرة بالتزام مفاسد بعض هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت الرتبتين .

وأما أصفياء الأصفياء فإنهم عرفوا أن لذات المعارف والأحوال أشرف اللذات فقدموها على لذات الدارين . ولو عرف الناس كلهم من ذلك ما عرفوه ; لكانوا أمثالهم فنصبوا ليستريحوا واغتربوا ليقتربوا . فمنهم من تحضره المعارف بغير تكلف ، فينشأ عنها الأحوال اللائقة بها بغير تصنع ولا تخلق ، ومنهم من يستذكر المعارف لينشأ عنها أحوالها ، وشتان ما بين الفريقين . وقد يتكلف المحروم استحضار المعارف فلا تحضره ، فسبحان من عرف نفسه لهؤلاء من غير تعب ولا نصب ولا استدلال ولا وصب ، بل جاد عليهم وسقاهم خالص وبله وصافي فضله فشغلهم به عما سواه فلا هم لهم سواه ولا مؤنس لهم غيره ولا معتمد لهم إلا عليه ، لعلمهم أنه لا ملجأ لهم إلا إليه ; فرضوا بقضائه وصبروا على بلائه وشكروا لنعمائه ، يتسع عليهم ما يضيق على الناس ويضيق عليهم ما يتسع للناس ، أدبهم القرآن معلمهم الرحمن وجليسهم الديان وسرابيلهم الإذعان ، قد انقطعوا عن الإخوان وتغربوا عن الأوطان ، بكاؤهم طويل وفرحهم قليل يردون كل حين موردا لم يتوهموه ، وينزلون منزلا لم يفهموه ، ويشاهدون ما لم يعرفوه ، لا يعرف منازلهم عارف ، ولا يصف أحوالهم واصف ، إلا من نازلها ولابسها ، قد اتصفوا بأخلاق القرآن على حسب الإمكان ، وتلك الأخلاق موجبة لرضا الرحمن وسكنى الجنان في الرغد والأمان ، مع النظر إلى الديان .

التالي السابق


الخدمات العلمية