الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولا أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب لكراهية عمر ذلك وقوله : " يورث البرص " .
قال الماوردي : فهذا صحيح ، nindex.php?page=treesubj&link=27استعمال الماء المشمس مكروه لرواية أبي الزبير ، عن جابر ، أن عائشة رضي الله عنها شمست ماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفعلي يا حميرا فإنه يورث البرص " وروي عن عمر رضي الله عنه ، أنه كره الماء المشمس ، وقال : إنه يورث البرص ، فإذا ثبت الخبر والأثر كراهية الماء المشمس ، فإن الكراهة مختصة بما أثرت فيه الشمس من مياه الأواني ، وأما مياه البحار والأنهار والآبار لا يكره لأمرين :
أحدهما : أن الشمس لا تؤثر فيها كتأثيرها في الأواني .
والثاني : التحرز منها غير ممكن ومن الأواني ممكن ، وتأثير الشمس في مياه الأواني قد يكون تارة بالحما ، وتارة بزوال برده ، والكراهة في الحالين على سواء ، فإن لم تؤثر الشمس فيه لم يكره فسواء ما قصد به الشمس ، وما طلعت عليه الشمس من غير قصد ، وذهب بعض أصحابنا إلى أن المكروه منه ما قصد به الشمس دون nindex.php?page=treesubj&link=27ما طلعت عليه الشمس من غير قصد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : " لا تفعلي " فكان النهي متوجها إلى الفعل وهذا غير صحيح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على معنى النهي وأنه يورث البرص ، وهذا المعنى لا يختص بالقصد دون غيره ، وكذا أيضا لا فرق بين ما حمي بالشمس في بلاد تهامة والحجاز ، وبين ما حمي بها في سائر البلاد ، وكان بعض أصحابنا يجعل النهي مخصوصا بما حمي بتهامة والحجاز لأنه هناك تورث البرص دون ما حمي بالعراق وسائر البلاد ، وهذا التخصيص إنما هو إطلاق قول [ ص: 43 ] بغير دليل مع عموم النهي الشامل لجميع البلاد ، فأما nindex.php?page=treesubj&link=27ما حمي بالشمس ثم برد فقد اختلف أصحابنا في كراهة استعماله على وجهين :
أحدهما : أنه على حال الكراهة لثبوت حكم له قبل البرد .
والوجه الثاني : أنه غير مكروه ، لأن معنى الكراهة كان لأجل الحمي ، فإذا زال الحمي زال معنى الكراهة ، وكان بعض متأخري أصحابنا يقول : ينبغي أن يرجع فيه إلى عدول الطب فإن قالوا : إنه بعد برده يورث البرص كان مكروها ، وإن قالوا : إنه لا يورث البرص لم يكن مكروها ، وهذا لا وجه له ، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بغير أهل الاجتهاد في الشريعة ، لأن من الطب من ينكر أن يكون الماء المشمس يورث البرص ولا يرجع إلى قوله فيه .
فصل : فإذا ثبت كراهة الماء المشمس فإنما تختص الكراهة في استعماله فيما يلاقي الجسد من طهارة حدث ، وإزالة نجس أو برد ، أو تنظيف ، أو شرب ، سواء لاقى الجسد في عبادة أو غير عبادة ، فأما nindex.php?page=treesubj&link=27استعماله فيما لا يلاقي الجسد من غسل ثوب أو إناء أو إزالة نجاسة عن أرض ، فلا يكره ، لأن معنى الكراهة أنه يورث البرص ، وهذا مختص بملاقاة الجسد دون غيره ، فأما nindex.php?page=treesubj&link=27إن استعمله في طعام يريد أكله ، فإن كان قد يبقى في الطعام كالمري به في الطبخ كان مكروها ، وإن كان لا يبقى ما يعافيه كالدقيق المعجون به ، أو الأرز المطبوخ به لم يكره .