الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تلبسوا الحق بالباطل : عطف على ما قبله؛ واللبس: الخلط؛ وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين؛ والمعنى: لا تخلطوا الحق المنزل؛ بالباطل الذي تخترعونه؛ وتكتبونه؛ حتى يشتبه أحدهما بالآخر؛ أو: لا تجعلوا الحق ملتبسا بسبب الباطل الذي تكتبونه في تضاعيفه؛ أو تذكرونه في تأويله.

                                                                                                                                                                                                                                      وتكتموا الحق : مجزوم؛ داخل تحت حكم النهي؛ كأنهم أمروا بالإيمان؛ وترك الضلال؛ ونهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحق؛ والإخفاء عمن لم يسمعه. أو منصوب بإضمار "أن"؛ على أن الواو للجمع؛ أي: لا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل؛ وبين كتمانه؛ ويعضده أنه في مصحف ابن مسعود: "وتكتمون"؛ أي: وأنتم تكتمون؛ أي: كاتمين؛ وفيه إشعار بأن استقباح اللبس لما يصحبه من كتمان الحق. وتكرير "الحق" إما لأن المراد بالأخير ليس عين الأول؛ بل هو نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كتموه؛ وكتبوا مكانه غيره؛ كما سيجيء في قوله (تعالى): فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ؛ وإما لزيادة تقبيح المنهي عنه؛ إذ في التصريح باسم الحق ما ليس في ضميره.

                                                                                                                                                                                                                                      وأنتم تعلمون : أي كونكم عالمين بأنكم لابسون؛ كاتمون؛ أو: "وأنتم تعلمون أنه حق"؛ أو: "وأنتم من أهل العلم"؛ وليس إيراد الحال لتقييد النهي به؛ كما في قوله (تعالى): لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ؛ بل لزيادة تقبيح حالهم؛ إذ الجاهل عسى يعذر. [ ص: 97 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية