الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا

                                                          * * *

                                                          إن هؤلاء الذين استضعفوا حقا وصدقا بسبب ضعفهم، عسى أن يعفو الله عنهم، أي يرجى أن يكونوا محل عفو الله تعالى، فلا يؤاخذهم برضاهم بالبقاء في أرض الذل، فالفاء هنا هي فاء السببية، أي أن السبب في أنهم محل عفو الله، ورجاء العفو لهم، هو ضعفهم. وهنا بحثان تشير إليهما الآية الكريمة:

                                                          أولهما: أن الهجرة هي الأمر المفروض الذي لا مناص منه إلا عند العذر الشديد، وإن الأعذار يقدرها أصحابها. ومع وجودها يرجى لهم العفو، ويرجونه، ويقول الزمخشري : "إن هذا يدل على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه، حتى إن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني. وهذا كله معناه أن الأصل هو الهجرة"

                                                          ثانيهما: أن الأمور التي يرخص بها في مقابل واجب مفروض، لا تكون مباحة في ذاتها، بل تكون في مرتبة العفو، لأن المباح يكون مطلوبا على وجه التخيير، وهذه لا طلب فيها، بل رخص بها في الترك، والأصل وجوب الهجرة.

                                                          وقد ختم سبحانه وتعالى الآية بأنه كثير العفو عن عباده في الرخص التي يرخص لهم بها، كثير المغفرة لمن تاب وأناب، والله سبحانه وتعالى رحيم بعباده.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية