الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      اللام حقيقة في الاختصاص كقولك : المال لزيد ، وقولهم : للملك مجاز من [ ص: 165 ] وضع الخاص موضع العام ; لأن الملك اختصاص ، وليس كل اختصاص ملكا . فإذا قيل : هي للاختصاص دخل فيه الملك وغيره ، كقولك : السرج للدابة ، والباب للمسجد . أي : هما مختصان بهما ، ولم يوجد فيهما حقيقة الملك ، وجعلها الجرجاني حقيقة في الملك ، ومتى استعلمت في غيره فبقرينة . والصحيح : الأول ; لأن الاختصاص معنى عام لجميع موارد استعمالها وبأي معنى استعملت لا تخلو منه . قال ابن يعيش : إنما قلنا : أصلها الاختصاص لعمومه ، ولأن كل مالك مختص بملكه ، ولهذا لم يذكر في " المفصل " غيره ، ولم يذكر أنها للملك . وقال ابن الخشاب : قال الحذاق : اللام تفيد الاختصاص الذي يدخل فيه الملك ، ولذلك يقول العبد : سيد لي قبل العتق ، ومولى لي بعده ، كما قال السيد : عبيد لي ، التنزيل { لمن الملك اليوم لله } وفيه { ولله على الناس حج البيت } { ولسليمان الريح } { ولمن خاف مقام ربه } { ولكم نصف ما ترك أزواجكم }

                                                      [ ص: 166 ] قال : فما لا يصلح له التملك قيل : اللام معه لام الاستحقاق ، وما صح أن يقع فيه التملك وأضيف إليه ما ليس بمملوك له قيل : اللام معه لام الاستحقاق ، وما عدا ذلك فاللام فيه عندهم لام الملك . وفرق القرافي بين الملك والاستحقاق والاختصاص فقال : المال إن أضيف إلى من يعقل كانت للملك ، وإلا فإن شهدت العادة له به فللاستحقاق ، كالسرج للدابة ، وإن لم تشهد به بل كانت من شهادة العادة وغيرها فهو للاختصاص ، فالملك أخص من الاستحقاق ، والاستحقاق أخص من الاختصاص ، وما قاله ابن الخشاب في الفرق أحسن . وجعل بعضهم اللام في قوله صلى الله عليه وسلم : { من باع عبدا وله مال } للاختصاص ; إذ لو كانت للملك لتنافى مع قوله : ( فماله للبائع ) . وحكى الرافعي في كتاب الإفراد عن الأصحاب أن اللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإن تجردت وأمكن الحمل على الملك حمل عليه ; لأنه أظهر وجوه الاختصاص ، وإن وصل بها وذكر وجها آخر من الاختصاص أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : الحبل للفرس حمل عليه . وتأتي للتعليل : كقوله تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة } ، وللعاقبة ، نحو { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } قال ابن السمعاني : وعندي أنه مجاز وقال الزمخشري : التحقيق أنها لام العلة ، والتعليل فيها وارد على طريق

                                                      [ ص: 167 ] المجاز لا الحقيقة . وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في " المغني " : أنكر البصريون لام العاقبة . قلت : في كتاب " المبتدئ " في النحو لابن خالويه ، فأما قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا } فهي لام كي عند الكوفيين ، ولام الصيرورة عند البصريين . انتهى . ونقل ابن برهان في " الغرة " عن الكوفيين أن تقديره " لئلا يكون " . وفي " أمالي الشيخ عز الدين : المفرق بين لام الصيرورة ، كما في قوله تعالى : { ليكون لهم عدوا } ولام التعليل ، كما في قوله تعالى : { لنحيي به بلدة ميتا } أن لام التعليل تدخل على ما هو غرض لفاعل الفعل ، ويكون مرتبا على الفعل ، وليس في لام الصيرورة إلا الترتيب فقط . قال ابن فورك عن الأشعري : كل لام نسبها الله - عز وجل - لنفسه فهي لام الصيرورة ، لاستحالة الغرض مكان المخبر في لام الصيرورة . قال : فعلت هذا بعد هذا ; لأنه غرض لي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية