الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 434 ] [ استعمال الحرير والذهب ]

ويحل للنساء لبس الحرير ولا يحل للرجال إلا مقدار أربع أصابع كالعلم ولا بأس ( سم ) بتوسده وافتراشه ، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز; ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة ، ولا يجوز للرجال إلا الخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة وكتابة الثوب من ذهب أو فضة وشد الأسنان بالفضة ، ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير ، ولا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة ، ويستوي فيه الرجال والنساء ، ولا بأس بآنية العقيق والبلور والزجاج والرصاص ، ويجوز ( س ) الشرب في الإناء المفضض والجلوس على السرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة .

التالي السابق


فصل

[ استعمال الحرير والذهب ]

( ويحل للنساء لبس الحرير ، ولا يحل للرجال إلا مقدار أربع أصابع كالعلم ) لما روي عن علي رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرة بشماله وذهبا بيمينه ثم رفع بهما يديه وقال : إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثها " وعن عمر رضي الله عنه أنه قال : " حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الحرير على الرجال إلا ما كان هكذا وهكذا ، وذكر إصبعين وثلاثا وأربعا " وروي : " أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة وأراد به الأعلام " وأهدى المقوقس ملك الإسكندرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة أطرافها من ديباج فلبسها ولأن الناس اعتادوا لبس الثياب وعليها الأعلام في سائر الأزمان ، والمعنى فيه أنه تبع للثوب فلا حكم له .

قال : ( ولا بأس بتوسده وافتراشه ) وكذا ستر الحرير وتعليقه على الباب ، وقالا : يكره لعموم النهي ولأنه من زي الأعاجم وقد نهي عنه . وله أن النهي ورد في اللبس وهذا دونه فلا يلحق به ، ولأن القليل من اللبس حلال وهو العلم فكذا القليل من الاستعمال حتى لا يجوز جعله دثارا بالإجماع . وعن ابن عباس أنه كان له مرفقة حرير على بساطه ، ولأن افتراشه [ ص: 435 ] استخفاف به فصار كالتصاوير على البساط فإنه يجوز الجلوس عليه ولا يجوز لبس التصاوير .

قال : ( ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز ) لأن الثوب بالنسج والنسج باللحمة ، فتعتبر اللحمة دون السدا ، فما كان سداه حريرا ولحمته غيره يجوز لبسه في الحرب وغيره بالإجماع ، وما كان بالعكس يجوز في الحرب خاصة بالإجماع أيضا للضرورة لأنه أهيب وأدفع لمضرة السلاح . وقال أبو يوسف ومحمد : لبس الحرير في الحرب جائز لما روى الشعبي أن النبي عليه الصلاة والسلام : " رخص في لبس الحرير والديباج في الحرب " ، ولأنه أدفع لمضرة السلاح وأهيب في عين العدو فمست الحاجة إليه .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز لعموم النهي ، والحرام لا يحل إلا للضرورة وقد اندفعت بالمخلوط فإن الخالص إن اختص بمزية الخلوص فالمخلوط اختص بزيادة الثخانة والقوة فاستويا فيجتزأ به ، ولو كان الثوب رقيقا ولا يحصل به الإرهاب لا يجوز بالإجماع . وفي نوادر هشام عن محمد يكره لبنة الحرير : أي القب وتكة الديباج والإبريسم لأنه استعمال تام ، وما كان سداه ظاهرا كالعتابي ، قيل يكره لأن لابسه في منظر العين لابس حرير وفيه خيلاء ، وقيل لا يكره اعتبارا للحمة كما مر ، وتكره الخرقة التي يمسح بها العرق ويمتخط بها لأنه ضرب كبر ، وإن كانت لإزالة الأذى والقذر لا بأس بها ، ولا بأس بالخرقة يمسح بها الوضوء لتوارث المسلمين ذلك ، وقيل إن فعله تكبرا يكره كالتربع في الاتكاء إن فعله تكبرا يكره وللحاجة لا .

قال : ( ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة ولا يجوز للرجال ) لما سبق من الحديث ( إلا الخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة وكتابة الثوب من ذهب أو فضة وشد الأسنان بالفضة ) أما الخاتم والمنطقة وحلية السيف فبالإجماع ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان له خاتم من فضة نقشه " محمد رسول الله " ، " ونهى عليه الصلاة والسلام عن التختم بالذهب " ، ثم [ ص: 436 ] التختم سنة لمن يحتاج إليه كالسلطان والقاضي ومن في معناهما ومن لا حاجة له إليه فتركه أفضل .

والسنة أن يكون قدر مثقال فما دونه ويجعل فصه إلى باطن كفه ، بخلاف النساء لأنه للزينة في حقهن دون الرجال ، ويجوز أن يجعل فصه عقيقا أو فيروزا أو ياقوتا أو نحوه ، ويجوز أن ينقش عليه اسمه أو اسما من أسماء الله تعالى لتعامل الناس ذلك من غير نكير ولا بأس بسد ثقب الفص بمسمار الذهب لأنه قليل فأشبه العلم ، ويكره التختم بالحديد والصفر للرجال والنساء لأنه حلية أهل النار وقد نهى عنه . وروي أنه كان قبضة سيفه عليه الصلاة والسلام من فضة .

وأما كتابة الثوب كما بينا في العلم الحرير ، وكرهه أبو يوسف بناء على اختلافهم في الإناء المفضض .

وأما شد الأسنان فمذهب أبي حنيفة ، وقالا : يجوز بالذهب أيضا قياسا على الأنف ، فإنه روي أن عرفجة أصيب أنفه يوم كلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن ، فأمره عليه الصلاة والسلام أن يتخذ أنفا من ذهب وكان ضرورة فيجوز . وله أن الضرورة في الأسنان تندفع بالأدنى وهو الفضة ، ولا كذلك في الأنف فافترقا .

قال : ( ويكره أن يلبس الصبي الذهب والحرير ) لئلا يعتاده ألا ترى أنه يؤمر بالصوم والصلاة وينهى عن شرب الخمر ليعتاد فعل الخير ويألف ترك المحرمات فكذلك هذا ، والإثم على من ألبسه لإضافة الفعل إليه .

قال : ( ولا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة ) قال عليه الصلاة والسلام : " من شرب في [ ص: 437 ] إناء ذهب وفضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) وعلى هذا المجمرة والملعقة والمدهن والميل والمكحلة والمرآة ونحو ذلك ، والنصوص وإن وردت في الشرب فالباقي في معناه لاستوائهم في الاستعمال ، والجامع أنه زي المتكبرين وتنعم المترفين ، وأنه منهي عنه فيعم الكل .

( ويستوي فيه الرجال والنساء ) لعموم النهي ، وعليه الإجماع .

قال : ( ولا بأس بآنية العقيق والبلور والزجاج والرصاص ) لأنه لا تفاخر في ذلك فلم يكن في معناه .

قال : ( ويجوز الشرب في الإناء المفضض والجلوس على السرير المفضض إذا كان يتقي موضع الفضة ) أي يتقي فمه ذلك ، وقيل يتقي أخذه باليد . وقال أبو يوسف : يكره ، وقول محمد مضطرب ، وعلى هذا الاختلاف والتفصيل السرج المفضض والكرسي ، والإناء المضبب بالذهب والفضة . لأبي يوسف أنه إذا استعمل جزءا من الإناء فقد استعمل كله فيكون مستعملا للذهب والفضة . ولأبي حنيفة أن الفضة في هذه الأشياء تابعة والعبرة للمتبوع لا للتبع ، وصار كالعلم في الثوب ومسمار الذهب في فص الخاتم ، وعلى هذا اللجام المفضض والركاب والثفر ، أما اللجام من الفضة والركاب فحرام لأنه استعمل الفضة بعينها فلا يجوز ، ولا بأس بالانتفاع بالأواني المموهة بالذهب والفضة بالإجماع ، لأن الذهب والفضة مستهلك فيه لا يخلص فصار كالعدم ، والأشنان والدهن يكون في إناء فضة أو ذهب يصب منه على اليد . قال محمد : أكره ، ولا أكره ذلك في الغالية لأنه يدخل يده أو عودا فيخرجها إلى الكف ثم يستعملها من الكف فلا يكون مستعملا للإناء ، ولا كذلك الدهن والأشنان فإنه يكون مستعملا به بالصب منه .




الخدمات العلمية