الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان

                                                                                                          2611 حدثنا قتيبة حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن أبي جمرة عن ابن عباس قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا هذا الحي من ربيعة ولسنا نصل إليك إلا في أشهر الحرام فمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا فقال آمركم بأربع الإيمان بالله ثم فسرها لهم شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو جمرة الضبعي اسمه نصر بن عمران وقد رواه شعبة عن أبي جمرة أيضا وزاد فيه أتدرون ما الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وذكر الحديث سمعت قتيبة بن سعيد يقول ما رأيت مثل هؤلاء الفقهاء الأشراف الأربعة مالك بن أنس والليث بن سعد وعباد بن عباد المهلبي وعبد الوهاب الثقفي قال قتيبة كنا نرضى أن نرجع من عند عباد كل يوم بحديثين وعباد بن عباد هو من ولد المهلب بن أبي صفرة [ ص: 294 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 294 ] قوله : ( قدم وفد عبد القيس ) الوفد جمع وافد وهو الذي أتى إلى الأمير برسالة من قوم ، وقيل رهط كرام وعبد القيس أبو قبيلة عظيمة ، تنتهي إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان ، وربيعة قبيلة عظيمة في مقابلة مضر ، وكانت قبيلة عبد القيس ينزلون البحرين وحوالي القطيف وما بين هجر إلى الديار المضرية ، وكانت وفادتهم سنة ثمان ( فقالوا إنا هذا الحي من ربيعة ) قال ابن الصلاح : الحي منصوب على الاختصاص . والمعنى إنا هذا الحي حي من ربيعة ، الحي هو اسم لمنزل القبيلة ، ثم سميت القبيلة به ; لأن بعضهم يحيا ببعض ( ولسنا نصل إليك إلا في الشهر الحرام ) المراد به الجنس لأن الأشهر الحرم أربعة : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، متوالية ، ورجب فرد ، قال تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم وإنما قالوا ذلك اعتذارا عن عدم الإتيان إليه -عليه الصلاة والسلام- في غير هذا الوقت ; لأن الجاهلية كانوا يحاربون بعضهم بعضا ، ويكفون في الأشهر الحرم تعظيما لها ، وتسهيلا على زوار البيت الحرام من الحروب والغارات الواقعة منهم في غيرها ، فلا يأمن بعضهم بعضا في المسالك والمراحل إلا فيها ، ومن ثم كان يمكن مجيء هؤلاء إليه -عليه الصلاة والسلام- فيها دون ما عداها لأمنهم من كفار مضر الحاجزين بين منازلهم وبين المدينة ، وكان هذا التعظيم في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقيل : اللام للعهد ، والمراد شهر رجب . وفي رواية البيهقي التصريح به ، وكانت مضر تبالغ في تعظيم شهر رجب ، فلهذا أضيف إليهم في حديث أبي بكرة عند البخاري حيث قال : رجب مضر ، والظاهر أنهم كانوا يخصونه بمزيد التعظيم مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى ، إلا أنهم ربما أنسوها بخلافه ( نأخذه عنك ) بالرفع على أنه صفة لشيء وبالجزم على أنه جواب الأمر ( آمركم بأربع ) أي خصال أو جمل ، لقولهم حدثنا يحمل من الأمر ، وهي رواية قرة عند البخاري في المغازي ( الإيمان بالله ) هذه إحدى الخصال الأربع ( ثم فسرها ) أي الإيمان بالله ، وتأنيث الضمير باعتبار أنه خصلة ( شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ) برفع شهادة على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي هو شهادة أن لا إله إلا الله ( وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم ) بالجر في الثلاث عطف على الإيمان ، وهذه هي الخصال الثلاث [ ص: 295 ] الباقية . ويحتمل أن يكون إقام الصلاة وما عطف عليه بالرفع ، عطفا على شهادة أن لا إله إلا الله . وعلى هذا الاحتمال مطابقة الحديث بالباب ظاهرة ، ولكن لا بد أن يقال إن الراوي حذف الخصال الثلاث الباقية اختصارا أو نسيانا . ووقع في رواية البخاري : أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع : أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس .

                                                                                                          قال السيد جمال الدين : قيل هذه الرواية لا تخلو عن إشكال لأنه إن قرئ وإقام الصلاة إلخ بالرفع على أنها معطوفة على " شهادة " ليكون المجموع من الإيمان فأين الثلاثة الباقية ؟ وإن قرئت بالجر على أنها معطوفة على قوله " بالإيمان " يكون المذكور خمسة لا أربعة . وأجيب على التقدير الأول بأن الثلاثة الباقية حذفها الراوي اختصارا أو نسيانا . وعلى التقدير الثاني بأنه عد الأربع التي وعدهم ثم زادهم خامسة ، وهي أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر ، وكانوا أهل جهاد وغنائم كذا في المرقاة .

                                                                                                          قلت : قد بسط الحافظ في الفتح الكلام في هذا المقام بسطا حسنا ، فعليك أن تراجعه ، وقد ذكر لعدم ذكر الحج في هذا الحديث وجوها منها أنه لم يكن فرض ، ثم قال هذا هو المعتمد .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي ( وقد روى شعبة عن أبي جمرة أيضا ، وزاد فيه أتدرون ما الإيمان إلخ ) رواية شعبة هذه أخرجها الشيخان ( قال قتيبة وكنا نرضى أن نرجع كل يوم من عند عباد بن عباد بحديثين ) هذا كناية عن كونه ثقة . وأما إيراد ابن الجوزي في موضوعات حديث أنس إذا بلغ العبد أربعين سنة من طريق عباد [ ص: 296 ] هذا ونسبته إلى الوضع وإفحاش القول فيه فوهم منه شنيع جدا فإنه التبس عليه براو آخر كما في تهذيب التهذيب .




                                                                                                          الخدمات العلمية