الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      ( فرع ) من تحلل بالإحصار لزمه دم وهو شاة ، وسبق بيانها في آخر باب ما يجب بمحظورات الإحرام ، ولا يجوز العدول عن الشاة إلى صوم ولا إطعام مع وجودها ، ولا يحصل التحلل قبل ذبحها إذا وجدها ، [ ص: 294 ] فإن كان المحصر في الحرم وجب ذبحها فيه وتفرقتها هناك ، وإن كان في غير الحرم ولم يمكنه إيصال الهدي وهو الشاة إلى الحرم جاز ذبحه وتفرقته حيث أحصر ويتحلل ، وهكذا الحكم فيما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار . وكذا ما معه من هدي فكله يذبحه في موضع إحصاره ويفرقه على المساكين هناك ، وإن أمكنه إيصاله إلى الحرم وذبحه فيه ، فالأولى أن يوصله أو يبعثه إليه ، فإن ذبحه في موضع إحصاره ففي إجزائه وجهان ذكرهما المصنف بدليلهما ، وهما مشهوران ( أصحهما ) جوازه .

                                      قال الدارمي وغيره : ولو أحصر في موضع غير الحرم فذبح الهدي في موضع آخر غير الحرم لم يجزه ; لأن موضع الإحصار صار في حقه كنفس الحرم ، هذا كله إذا وجد الهدي بثمن مثله ومعه ثمنه فاضلا عما يحتاج إليه ، فإن لم يجده أو وجده مع من لا يبيعه ، أو يبيعه بأكثر من ثمن مثله في ذلك الموضع وذلك الحال أو بثمن مثله وهو غير واجد للثمن أو واجد وهو محتاج إليه لمؤنة سفره فهل له بدل أم لا ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) له بدل ، وفي بدله ثلاثة أقوال ( أصحها ) الإطعام ، نص عليه الشافعي في كتاب الأوسط ( والثاني ) الصيام نص عليه في مختصر الحج ( والثالث ) مخير بينها ، قال الشيخ أبو حامد والروياني وغيرهما : هذا الثالث مخرج من فدية الأذى . ( فإن قلنا ) الإطعام ففيه وجهان ( أصحهما ) إطعام بالتعديل ، وتقوم الشاة دراهم ويخرج بقيمتها طعاما ، فإن عجز صام عن كل مد يوما ( الثاني ) إطعام فدية الأذى ، وهو ثلاثة آصع لستة مساكين كما سبق ، ويجيء في كيفية تفرقتها الخلاف السابق في موضعه ( الأصح ) لكل مسكين نصف صاع ، وقيل : يجوز المفاضلة ( وإن قلنا ) هو مخير بين صوم فدية الأذى وإطعامها ، وصومها ثلاثة أيام وإطعام ثلاثة آصع . ودليل الجمع في الكتاب . [ ص: 295 ] وإن قلنا ) بدله الصوم ففيه ثلاثة أقوال مشهورة ذكرها المصنف بدلائلها ( أحدها ) عشرة أيام كالمتمتع ( والثاني ) ثلاثة ( والثالث ) بالتعديل عن كل مد يوما ، ولا مدخل للطعام على هذا القول ، لكن يعتبر به قدر الصيام ، وحيث انكسر بعض مد وجب بسببه صوم يوم كامل ، وقد سبق نظيره في باب محظورات الإحرام . قال الروياني والرافعي : الأصح على الجملة أن بدله الإطعام بالتعديل . فإن عجز صام عن كل مد يوما ، والله أعلم .

                                      قال المصنف والأصحاب : أما وقت التحلل فينظر إن كان واجدا للهدي ذبحه ونوى التحلل عند ذبحه ، وهذه النية شرط باتفاق الأصحاب إنما كره المصنف ثم يحلق ، وهو شرط للتحلل إن قلنا إن الحلق نسك ، وإلا فلا حاجة إليه ، فإن قلنا بالأصح إن الحلق نسك حصل له التحلل بثلاثة أشياء : الذبح والنية والحلق ، وإلا فالذبح والنية ، وهذا كله لا خلاف فيه إلا ما انفرد به الروياني فقال ما ذكرناه ثم قال : وقال بعض أصحابنا بخراسان : في وقت تحلل واجد الهدي قولان ( أحدهما ) هذا ( والثاني ) يجوز أن يتحلل ثم يذبح ، وهذا غلط . وأما إذا فقد الهدي ( فإن قلنا ) لا بدل له ، فهل يتحلل في الحال بالنية والحلق إذا جعلناه نسكا ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) إذا تحلل في الحال ، فعلى هذا يشترط النية قطعا ، وكذا الحلق إن جعلناه نسكا ( والثاني ) لا يتحلل إلا بذبحه مع النية والحلق .

                                      ( وإن قلنا ) للهدي بدل ، فإن قلنا هو الإطعام توقف التحلل عليه ، وعلى النية والحلق إن وجد الإطعام ، فإن فقده فهل يتحلل في الحال ؟ قال المصنف والأصحاب : فيه قولان كما إذا قلنا لا بدل ( الأصح ) يتحلل في الحال ( والثاني ) لا ، حتى يطعم ( وإن قلنا ) بدله الصوم أو مخير واختار [ ص: 296 ] الصوم ، فهل يتحلل في الحال أم لا يتحلل حتى يفرغ من الصوم ؟ فيه خلاف مشهور حكاه المصنف هنا والأكثرون وجهين . وحكاه في التنبيه قولين ( أصحهما ) يتحلل في الحال ، فعلى هذا يحتاج إلى النية بلا خلاف ، وكذا الحلق إن قلنا هو نسك وإلا فالنية وحدها ، والله تعالى أعلم .

                                      التالي السابق


                                      ( فرع ) قال المصنف والأصحاب : الحصر ضربان عام وخاص ، فالعام سبق حكمه ، والخاص هو الذي يقع لواحد أو شرذمة من الرفقة ، فينظر إن لم يكن المحصور معذورا فيه ، كمن حبس في دين يمكنه أداؤه فليس له التحلل ، بل عليه أداء الدين والمضي في الحج ، فإن تحلل لم يصح تحلله ولا يخرج من الحج بذلك بلا خلاف ، فإن فاته الحج وهو في الحبس كان كغيره ممن فاته الحج بلا إحصار فيلزمه قصد مكة والتحلل بأفعال عمرة ، وهو الطواف والسعي والحلق كما سبق ، وإن كان معذورا كمن حبسه السلطان ظلما أو بدين لا يمكنه أداؤه فطريقان المذهب وبه قطع العراقيون يجوز له التحلل لأنه معذور ( والثاني ) حكاه الخراسانيون فيه قولان أصحهما جواز التحلل ( والثاني ) لا ، لأنه قادر والصواب الجواز والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا تحلل المحصر قال الشافعي والمصنف والأصحاب : إن كان نسكه تطوعا فلا قضاء ، وإن لم يكن تطوعا نظر إن كان واجبا مستقرا كالقضاء والنذر وحجة الإسلام التي استقر وجوبها قبل هذه السنة بقي الوجوب في ذمته كما كان وإنما أفاده الإحصار جواز الخروج منها ، وإن كان واجبا غير مستقر ، وهي حجة الإسلام في السنة الأولى من سني الإمكان سقطت الاستطاعة فلا حج عليه إلا أن تجتمع فيه شروط الاستطاعة بعد ذلك ، فلو تحلل بالإحصار ثم زال الإحصار والوقت واسع وأمكنه الحج من سنته استقر الوجوب عليه لوجود الاستطاعة لكن له أن يؤخر [ ص: 297 ] الحج عن هذه السنة . لأن الحج على التراخي . وقد سبقت المسألة قريبا والله أعلم .

                                      وهذا الذي ذكرناه في حج التطوع أنه لا يجب قضاؤه ، وهو في الحصر العام والخاص جميعا وفي الخاص قول مشهور حكاه المصنف والأصحاب ، وبعضهم يحكيه وجها أنه يجب فيه القضاء لندوره وهذا ضعيف ودليله ممنوع والله تعالى أعلم .

                                      قال الروياني : هذا الخلاف مبني على أنه لو حبس واحد منهم فهل يستقر عليه ؟ فيه قولان ( أصحهما ) لا يستقر



                                      ( فرع ) ذكرنا أن من تحلل بالإحصار لزمه الدم ، وهذا متفق عليه عندنا إن لم يكن سبق منه شرط ، فإن كانشرط عند إحرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط في إسقاط الدم طريقان ( أصحهما ) - وبه قطع الأكثرون - لا أثر له فيجب الدم ، لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط ، فشرطه لغو .

                                      ( والطريق الآخر ) فيه وجهان كما سنذكره إن شاء الله تعالى فيمن شرط التحلل بالمرض ( أصحهما ) يلزمه الدم ( والثاني ) لا . والله أعلم



                                      ( فرع ) قال المصنف والأصحاب : يجوز التحلل من الإحرام الفاسد كما يجوز من الصحيح وأولى ، فإذا جامع المحرم بالحج جماعا مفسدا ثم أحصر تحلل ويلزمه دم للإفساد ودم للإحصار ، ويلزمه القضاء بسبب الإفساد ، فلو لم يتحلل حتى فاته الوقوف ولم يمكنه لقاء الكعبة تحلل في موضعه تحلل المحصر ، ويلزمه ثلاثة دماء : دم للإفساد ، ودم للفوات ، [ ص: 298 ] ودم للإحصار ، فدم الإفساد بدنة والآخران شاتان ويلزمه قضاء واحد لما ذكره المصنف ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال الروياني وغيره : لو أحصر بعد الوقوف بعرفات ومنع ما سوى الطواف والسعى ومكن منهما لم يجز له التحلل بالإحصار لأنه متمكن من التحلل بالطواف والحلق ، وفوات الرمي بمنزلة الرمي ، ويجبر الرمي بدم وتقع حجته مجزئة عن حجة الإسلام .



                                      ( فرع ) لو أفسد حجه بالجماع ثم أحصر فتحلل ثم زال الحصر والوقت واسع فأمكنه الحج من سنته لزمه أن يقضي الفاسد من سنته بناء على المذهب أن القضاء على الفور . قال القاضي أبو الطيب والروياني : ولا يمكن قضاء الحج في سنة الإفساد إلا في هذه المسألة



                                      ( فرع ) لو أحصر في الحج أو العمرة فلم يتحلل وجامع لزمته البدنة والقضاء بخلاف ما لو جامع الصائم المسافر في نهار رمضان فإنه لا كفارة عليه إن قصد الترخص بالجماع . وكذا إن لم يقصده على الأصح كما سبق في بابه . قال الروياني : والفرق بينهما أن الجماع في الصوم يحصل به الخروج من الصوم بخلاف الحج .




                                      الخدمات العلمية