الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه

                                                                                                          2612 حدثنا أحمد بن منيع البغدادي حدثنا إسمعيل ابن علية حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله وفي الباب عن أبي هريرة وأنس بن مالك قال أبو عيسى هذا حديث صحيح ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة وقد روى أبو قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع لعائشة عن عائشة غير هذا الحديث وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان قال ذكر أيوب السختياني أبا قلابة فقال كان والله من الفقهاء ذوي الألباب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه ) قال العيني في شرح البخاري : النوع الثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص وهو أيضا من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان . فقال بعض من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق : أن حقيقة التصديق شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان . وقال آخرون : إنه لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لا يبقى إيمانا ، ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ونحوها من الآيات . وقال الداودي : سئل مالك عن نقص الإيمان وقال قد ذكر الله تعالى زيادته في القرآن وتوقف عن نقصه ، وقال لو نقص لذهب كله . وقال ابن بطال : مذهب جماعة من أهل السنة من سلف الأمة وخلفها : أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والحجة على ذلك ما أورده البخاري قال فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص . وذكر الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وسلمان وعبد الله بن رواحة وأبو أمامة وجندب بن عبد الله وعمير بن حبيب ، وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- .

                                                                                                          ومن التابعين : كعب الأحبار وعروة وعطاء وطاوس ، ومجاهد وابن أبي مليكة وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز ، وسعيد بن جبير والحسن ويحيى بن أبي كثير والزهري وقتادة ، وأيوب ويونس وابن عون ، وسليمان التيمي وإبراهيم النخعي ، وأبو البحتري وعبد الكريم الجريري وزيد بن الحارث ، والأعمش ومنصور والحكم وحمزة الزيات ، وهشام بن حسان ومعقل بن عبيد الله الجريري ، ثم محمد بن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل وأبو سعيد الفزاري ، وزائدة وجرير بن عبد الحميد وأبو هشام عبد ربه ، وعبثر بن القاسم وعبد الوهاب الثقفي وابن المبارك ، وإسحاق بن إبراهيم وأبو عبيد بن سلام وأبو محمد الدارمي ، والذهلي ومحمد بن أسلم الطوسي وأبو زرعة وأبو حاتم ، وأبو داود وزهير بن معاوية وزائدة وشعيب بن حرب وإسماعيل بن عياش ، والوليد بن مسلم والوليد بن محمد والنضر بن شميل والنضر بن محمد ، وقال سهل بن متوكل : [ ص: 297 ] أدركت ألف أستاذ كلهم يقول : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص . وقال يعقوب بن سفيان : إن أهل السنة والجماعة على ذلك بمكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام منهم عبيد الله بن يزيد المقري وعبد الملك الماجشون ومطرف ومحمد بن عبيد الله الأنصاري والضحاك بن مخلد وأبو الوليد ، وأبو النعمان والقعنبي وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى ، وقبيصة وأحمد بن يونس وعمرو بن عون وعاصم بن علي وعبد الله بن صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم والنضر بن عبد الجبار ، وابن بكير وأحمد بن صالح وأصبغ بن الفرج وآدم بن أبي إياس ، وعبد الأعلى بن مسهر وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن إبراهيم وأبو اليمان الحكم بن نافع وحيوة بن شريح ومكي بن إبراهيم وصدقة بن الفضل ونظراؤهم من أهل بلادهم .

                                                                                                          وذكر أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر في كتاب الإيمان ذلك عن خلق . قال : وأما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان فخشية أن يتناول عليه موافقة الخوارج . وقال رسته : ما ذاكرت أحدا من أصحابنا من أهل العلم مثل علي بن المديني وسليمان - يعني ابن حرب والحميدي وغيرهم إلا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، وكذا روي عن عمير بن حبيب وكان من أصحاب الشجرة وحكاه اللالكائي في كتاب السنن عن وكيع وسعيد بن عبد العزيز وشريك وأبي بكر بن عياش وعبد العزيز بن أبي معلمة والحمادين وأبي ثور والشافعي وأحمد بن حنبل . وقال الإمام : هذا البحث لفظي لأن المراد بالإيمان إن كان هو التصديق فلا يقبلهما ، وإن كان الطاعات فيقبلهما ثم قال : الطاعات مكملة للتصديق فكل ما قام من الدليل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان كان مصروفا إلى أصل الإيمان الذي هو التصديق ، وكل ما دل على كون الإيمان يقبل الزيادة والنقصان فهو مصروف إلى الكامل وهو مقرون بالعمل . وقال بعض المتأخرين الحق أن الإيمان يقبلهما سواء كان عبارة عن التصديق مع الأعمال وهو ظاهر ، أو بمعنى التصديق وحده لأن التصديق بالقلب هو الاعتقاد الجازم ، وهو قابل للقوة والضعف فإن التصديق بجسمية الشبح الذي بين أيدينا أقوى من التصديق بجسميته إذا كان بعيدا عنا ، ولأنه يبتدئ في التنزل من أجلى البديهيات ، كقولنا : النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، ثم ينزل إلى ما دونه كقولنا الأشياء المتساوية بشيء واحد متساوية ثم إلى أجلى النظريات كوجود الصانع ، ثم إلى ما دونه ككونه مرئيا ثم إلى أخفاها كاعتقاد أن العرض لا يبقى زمانين .

                                                                                                          وقال بعض المحققين : الحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين : الأول القوة والضعف لأنه من الكيفيات النفسانية وهي تقبل الزيادة والنقصان كالفرح والحزن والغضب [ ص: 298 ] ولو لم يكن كذلك يقتضي أن يكون إيمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفراد الأمة سواء وأنه باطل إجماعا ، ولقول إبراهيم -عليه السلام- ولكن ليطمئن قلبي الثاني : التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالآخر . وقال بعضهم في هذا المقام الذي يؤدي إليه نظري أنه ينبغي أن يكون الحق الحقيق بالقبول أن الإيمان بحسب التصديق يزيد بحسب الكمية المعظمة ، وهي العدد قبل تقرر الشرائع بأن يؤمن الإنسان بجملة ما ثبت من الفرائض ، ثم يثبت فرض آخر فيؤمن به أيضا ، ثم وثم فيزداد إيمانه ، أو يؤمن بحقيقة كل ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- إجمالا قبل أن تبلغ إليه الشرائع تفصيلا ، ثم تبلغه فيؤمن بها تفصيلا بعدما آمن به إجمالا فيزداد إيمانه .

                                                                                                          فإن قلت : يلزم من هذا تفضيل من آمن بعد تقرير الشرائع على من مات في زمن الرسول -عليه السلام- من المهاجرين والأنصار ; لأن إيمان أولئك أزيد من إيمان هؤلاء .

                                                                                                          قلت : لا نسلم أن هذه الزيادة سبب التفضيل في الآخرة ، وسند المنع أن كل واحد من هذين الفريقين مؤمن بجميع ما يجب الإيمان به بحسب زمانه وهما متساويان في ذلك ، وأيضا إنما يلزم تفضيلهم على الصحابة بسبب زيادة عدد إيمانهم لو لم يكن لإيمانهم ترجيح باعتبار آخر وهو قوة اليقين وهو ممنوع لأن لإيمانهم ترجيحا ، ألا ترى إلى قوله عليه السلام : لو وزن إيمان أبي بكر مع إيمان جميع الخلق لرجح إيمان أبي بكر -رضي الله عنه- . ولا ينقص الإيمان بحسب العدد قبل تقرر الشرائع ولا يلزم ترك الإيمان بنقص ما يجب الإيمان به ، ويزيد وينقص بحسب العدد بعد تقرر الشرائع بتكرار التصديق والتلفظ بكلمتي الشهادة مرة بعد أخرى بعد الذهول عنه تكرارا كثيرا أو قليلا ، ويزيد وينقص مطلقا أي قبل تقرر الشرائع وبعده بحسب الكيفية أي القوة والضعف بحسب ظهور أدلة حقيقة المؤمن به وخفائها وقوتها وضعفها وقوة اعتقاد المقلد في المقلد وضعفه . وروي عن بعض المحققين أنه قال : الأظهر أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ، ولهذا يكون إيمان الصديقين والراسخين في العلم أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تغريهم الشبهة ولا يزلزل إيمانهم معارض ، ولا تزال قلوبهم منشرحة للإسلام وإن اختلفت عليهم الأحوال ، انتهى كلام العيني بلفظه . وقال بعد ورقة : قوله يزيد وينقص أي الإيمان والإسلام يقبل الزيادة والنقصان هذا على تقدير دخول القول والفعل فيه ظاهر . وأما على تقدير أن يكون نفس التصديق فإنه أيضا يزيد وينقص أي قوة وضعفا ، أي إجمالا وتفصيلا أو تعدادا بحسب تعدد المؤمن به كما حققناه فيما مضى ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 299 ] قلت : قول من قال من أهل العلم إن نفس التصديق يزيد وينقص هو الحق والصواب والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ) بضم اللام ويسكن لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان ( وألطفهم بأهله ) أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأولاده وأقاربه وعترته . وفي الحديث : أن المؤمنين كلهم ليسوا سواء في الإيمان بل بعضهم أكمل إيمانا من بعض ، وبه مطابقة لحديث الباب .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وأنس بن مالك ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود مختصرا ، وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في صفة جهنم وأخرجه أيضا الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه الحاكم .

                                                                                                          قوله : ( كان والله من الفقهاء ذوي الألباب ) ، زاد الحافظ في تهذيب التهذيب بعد هذا : ما أدركت بهذا المصر رجلا كان أعلم بالفقهاء من أبي قلابة .




                                                                                                          الخدمات العلمية