الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( هل أتاك حديث موسى ( 15 ) إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ( 16 ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى إن تزكى ( 18 ) ) .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران ، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدس ، يعنى بالمقدس : المطهر المبارك . وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى ، فأغنى عن إعادته في هذا [ ص: 200 ] الموضع ، وكذلك بينا معنى قوله : ( طوى ) وما قال فيه أهل التأويل ، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا .

وقد اختلف أهل التأويل في قوله : ( طوى ) فقال بعضهم : هو اسم الوادي .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( طوى ) اسم الوادي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : اسم المقدس طوى .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه قدس مرتين ، واسم الوادي طوى .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : طأ الأرض حافيا .

ذكر بعض من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الأرض بقدمك .

. وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الوادي قدس طوى : أي مرتين ، وقد بينا ذلك كله ووجوهه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء ، وقال : بثت فيه البركة والتقديس مرتين . حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( طوى ) بالضم ولم يجروه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة ( طوى ) بضم الطاء والتنوين .

وقوله : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) يقول تعالى ذكره : نادى موسى ربه : أن اذهب إلى فرعون ، فحذفت " أن " إذ كان النداء قولا فكأنه قيل لموسى قال ربه : اذهب إلى فرعون . وقوله : ( إنه طغى ) يقول : عتا وتجاوز حده في العدوان ، والتكبر على ربه .

وقوله : ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) يقول : فقل له : هل لك إلى أن تتطهر [ ص: 201 ] من دنس الكفر ، وتؤمن بربك ؟

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( هل لك إلى أن تزكى ) قال : إلى أن تسلم . قال : والتزكي في القرآن كله : الإسلام ، وقرأ قول الله : ( وذلك جزاء من تزكى ) قال : من أسلم ، وقرأ ( وما يدريك لعله يزكى ) قال : يسلم ، وقرأ ( وما عليك ألا يزكى ) . ألا يسلم .

حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، قول موسى لفرعون : ( هل لك إلى أن تزكى ) هل لك إلى أن تقول : لا إله إلا الله .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( تزكى ) فقرأته عامة قراء المدينة ( تزكى ) بتشديد الزاي ، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ( إلى أن تزكى ) بتخفيف الزاي . وكان أبو عمرو يقول فيما ذكر عنه ( تزكى ) بتشديد الزاي ، بمعنى : تتصدق بالزكاة ، فتقول : تتزكى ، ثم تدغم ، وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدق وهو كافر ، إنما دعاه إلى الإسلام ، فقال : تزكى : أي تكون زاكيا مؤمنا ، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية .

التالي السابق


الخدمات العلمية