الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله تعالى وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا حسيبا يعني كافيا وللوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته

                                                                                                                                                                                                        2613 حدثنا هارون بن الأشعث حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر تصدق بمال له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له ثمغ وكان نخلا فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالا وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به فقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره فتصدق به عمر فصدقته تلك في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل ولذي القربى ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب قول الله تعالى : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) ساق في رواية الأصيلي وكريمة إلى قوله : نصيبا مفروضا وأما في رواية أبي ذر فقال بعد قوله : رشدا إلى قوله : مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حسيبا يعني كافيا ) كذا للأكثر ، وسقط " يعني " لأبي ذر . قال ابن التين : فسره غيره عالما وقيل محاسبا وقيل مقتدرا ، وفي تفسير الطبري عن السدي وكفى بالله حسيبا أي شهيدا .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 461 ] قوله : ( وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته ) كذا للأكثر ، وسقطت " ما " الأولى لأبي ذر ، وهذه من مسائل الخلاف : فقيل يجوز للوصي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وهو قول عائشة كما في ثاني حديثي الباب وعكرمة والحسن وغيرهم ، وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة . ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد : إذا أكل ثم أيسر قضى ، وقيل لا يجب القضاء ، وقيل إن كان ذهبا أو فضة لم يجز أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض ، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة ، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس ، وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما ، أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره ، وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له ، ومذهب الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح ، وحكى ابن التين عن ربيعة أن المراد بالفقير والغني في هذه الآية اليتيم ، أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه ، وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف ، ولا دلالة فيها على الأكل من مال اليتيم أصلا والمشهور ما تقدم . ثم أورد المصنف في الباب حديثين . أحدهما حديث عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا هـارون بن الأشعث ) هو الهمداني بسكون الميم أصله من الكوفة ثم سكن بخارى ، ولم يخرج عنه البخاري في هذا الكتاب سوى هذا الموضع ، ووقع في بعض الروايات كرواية النسفي " حدثنا هـارون " غير منسوب ، فزعم ابن عدي أنه هارون بن يحيى المكي الزبيري ولم يعرف من حاله شيء ، والمعتمد ما وقع عند أبي ذر وغيره منسوبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تصدق بمال له ) هو من إطلاق العام على الخاص لأن المراد بالمال هنا الأرض التي لها غلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال له ثمغ ) بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها معجمة ، ومنهم من فتح الميم حكاه المنذري ، قال أبو عبيد البكري هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر . قلت : وسأذكر في " باب الوقف كيف يكتب " كيفية مصيره إلى عمر مع بيان الاختلاف في ذلك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فصدقته تلك ) كذا للكشميهني ولغيره " ذلك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف ) قال المهلب : شبه البخاري الوصي بناظر الوقف ، ووجه الشبه أن النظر للموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى ، وتعقبه ابن المنير بأن الواقف هو المالك لمنافع ما وقفه ، فإن شرط لمن يلي نظره شيئا ساغ له ذلك ، والموصي ليس كذلك لأن ولده يملكون المال بعده بقسمة الله لهم فلم يكن في ذلك كالواقف اهـ .

                                                                                                                                                                                                        ومقتضاه أن الموصي إذا جعل للوصي أن يأكل من مال الموصى عليهم لا يصح ذلك ، وليس كذلك بل هو سائغ إذا عينه ، وإنما اختلف السلف فيما إذا أوصى ولم يعين للموصي شيئا هـل له أن يأخذ بقدر عمله أم لا ؟ وقال الكرماني : وجه المطابقة هو من جهة أن القصد أن الوصي يأخذ من مال اليتيم أجره بدليل قول عمر " لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية