الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 318 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا أحرم ثم ارتد ففيه قولان ( أحدهما ) يبطل إحرامه ، لأنه إذا أبطل الإسلام الذي هو أصل فلأن يبطل الإحرام الذي هو فرع أولى ( والثاني ) لا يبطل كما لا يبطل بالجنون والموت ، فعلى هذا إذا رجع إلى الإسلام بنى عليه ) .

                                      [ ص: 319 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : ( فلأن يبطل الإحرام ) وهو فرع ينتقض بالوضوء فإنه فرع ولا يبطل بالردة على المذهب كما سبق بيانه في باب ما ينقض الوضوء ، وهذان الوجهان اللذان ذكرهما المصنف ( أصحهما ) عند الأكثرين يبطل . وفي المسألة وجهان آخران ، وقد سبق ذكر الأوجه الأربعة مع فروعها في باب ما يجب بمحظورات الإحرام في مسائل إفساد الحج بالجماع والله أعلم .



                                      ( فصل ) في مسائل من مذاهب العلماء في الإحصار .

                                      ( منها ) المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو بالإجماع ، ويلزمه دم وهو شاة ، هذا مذهبنا ، ومذهب أبي حنيفة وأحمد والجمهور . وعن مالك لا دم عليه دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وتقرير الآية الكريمة " فإن أحصرتم " فلكم التحلل ، وعليكم " ما استيسر من الهدي " .



                                      ( فرع ) إذا أحرم بالعمرة فأحصر فله التحلل عندنا وعند الجمهور ، ومنعه مالك لأنها تفوت ، دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم } ونزلت عام الحديبية حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا بالعمرة ، فتحللوا وذبحوا الهدايا ، وحديث هذه القصة في الصحيح مشهورة .



                                      ( فرع ) يجوز عندنا التحلل بالإحصار قبل الوقوف وبعده ، سواء أحصر عن الكعبة فقط أو عن عرفات فقط أو عنهما . وقال أبو حنيفة : لا يتحلل بالإحصار بعد الوقوف ، فإن أحصر بعد الوقوف عن الكعبة وعرفات تحلل ، وإن أحصر عن أحدهما لم يجز له التحلل ، دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم } الآية ولم يفرق .



                                      [ ص: 319 ] فرع ) ذبح هدي الإحصار حيث أحصر ، سواء كان في الحرم أو غيره وقال أبو حنيفة : لا يجوز ذبحه إلا في الحرم ، قال : ويجوز قبل النحر . وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز قبل يوم النحر ، دليلنا الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم { نحر هديه هو وأصحابه بالحديبية وهي خارج الحرم } .



                                      ( فرع ) إذا تحلل بالإحصار ، فإن كان حجه فرضا بقي كما كان قبل هذه السنة ، وهذا مجمع عليه ، وإن كان تطوعا لم يجب قضاؤه عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة ومجاهد والشعبي وعكرمة والنخعي : يلزمه قضاء التطوع أيضا .



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز التحلل بالمرض وغيره سواء العذر من غير شرط ، وبه قال ابن عمر وابن عباس ومالك وأحمد وإسحاق . وقال عطاء والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور وداود : يجوز التحلل بالمرض وكل عذر حدث ، وسبق دليل المسألة .



                                      ( فرع ) يجوز للمكي التحلل إذا أحصر عن عرفات ، هذا مذهبنا ، وبه قال أبو ثور وابن المنذر . وقال محمد بن الحسن وغيره : لا يجوز التحلل للمكي إذا أحصر عن عرفات .



                                      ( فرع ) ذكرنا أن الأصح عندنا أنه له منع زوجته من حجة الإسلام . قال مالك وأبو حنيفة وداود : ليس له ذلك . وأما اشتراط المحرم مع المرأة في السفر فقد سبق قريبا بيانه ، ومذاهب العلماء فيه ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية