الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5810 ) فصل : ويصح التوكيل في الخلع ، من كل واحد من الزوجين ، ومن أحدهما منفردا . وكل من صح أن يتصرف بالخلع لنفسه ، جاز توكيله ووكالته ; حرا ; كان أو عبدا ، ذكرا أو أنثى ، مسلما أو كافرا ، محجورا عليه أو رشيدا ; لأن كل واحد منهم يجوز أن يوجب الخلع ، فصح أن يكون وكيلا وموكلا فيه ، كالحر الرشيد . وهذا مذهب الشافعي ، وأصحاب الرأي ، ولا أعلم فيه خلافا . يكون توكيل المرأة في ثلاثة أشياء استدعاء الخلع أو الطلاق ، وتقدير العوض ، وتسليمه . وتوكيل الرجل في ثلاثة أشياء ; شرط العوض ، وقبضه ، وإيقاع الطلاق أو الخلع .

                                                                                                                                            ويجوز التوكيل مع تقدير العوض ، ومن غير تقدير ; لأنه عقد معاوضة ، فصح كذلك ، كالبيع والنكاح . والمستحب التقدير ; لأنه أسلم من الغرر ، وأسهل على الوكيل ; لاستغنائه عن الاجتهاد . فإن وكل الزوج ، لم يخل من حالين : الحال الأول ، أن يقدر له العوض ، فخالع به أو بما زاد ، صح ، ولزم المسمى ; لأنه فعل ما أمر به ، وإن خالع بأقل منه ، ففيه وجهان ; : أحدهما ، لا يصح الخلع وهذا اختيار ابن حامد ، ومذهب الشافعي ; لأنه خالف موكله ، فلم يصح تصرفه ، كما لو وكله في خلع امرأة فخالع أخرى ، ولأنه لم يأذن له في الخلع بهذا العوض ، فلم يصح منه ، كالأجنبي . والثاني ، يصح ، ويرجع على الوكيل بالنقص . وهذا قول أبي بكر ; لأن المخالفة في قدر العوض لا تبطل الخلع ، كحالة الإطلاق ، والأول أولى .

                                                                                                                                            وأما إن خالف في الجنس ، مثل أن يأمره بالخلع على دراهم ، فخالع على [ ص: 273 ] عبد ، أو بالعكس ، أو يأمره بالخلع حالا ، فخالع بعوض نسيئة ، فالقياس أنه لا يصح ; لأنه مخالف لموكله في جنس العوض ، فلم يصح تصرفه ، كالوكيل في البيع ، ولأن ما خالع به لا يملكه الموكل ، لكونه لم يأذن فيه ، ولا الوكيل ; لأنه لم يوجد السبب بالنسبة إليه . وفارق المخالفة في القدر ; لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل .

                                                                                                                                            وقال القاضي : القياس أن يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ، ويكون له ما خالع ، قياسا على المخالفة في القدر ، وهذا يبطل بالوكيل في البيع ، ولأن هذا خلع لم يأذن فيه الزوج ، فلم يصح ، كما لو لم يوكله في شيء ، ولأنه يفضي إلى أن يملك عوضا ما ملكته إياه المرأة ، ولا قصد هو تملكه ، وتنخلع المرأة من زوجها بغير عوض لزمها له بغير إذنه . وأما المخالفة في القدر ، فلا يلزم فيها ذلك ، مع أن الصحيح أنه لا يصح الخلع فيها أيضا ، لما قدمناه . والحال الثاني ، إذا أطلق الوكالة ، فإنه يقتضي الخلع بمهرها المسمى حالا من جنس نقد البلد ، فإن خالع بذلك فما زاد ، صح ; لأنه زاده خيرا ، وإن خالع بدونه ، ففيه الوجهان المذكوران فيما إذا قدر له العوض فخالع بدونه .

                                                                                                                                            وذكر القاضي احتمالين آخرين : أحدهما ، أن يسقط المسمى ، ويجب مهر المثل ; لأنه خالع بما لم يؤذن له فيه . والثاني ، أن يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصا ولا رجعة له ، وبين رده وله الرجعة . وإن خالع بغير نقد البلد ، فحكمه حكم ما لو عين له عوضا فخالع بغير جنسه . وإن خالع الوكيل بما ليس بمال كالخمر والخنزير ، لم يصح الخلع ، ولم يقع الطلاق ; لأنه غير مأذون له فيه إنما أذن له في الخلع ، وهو إبانة المرأة بعوض ، وما أتى به ، وإنما أتى بطلاق غير مأذون له فيه . ذكره القاضي ، في " المجرد " . وهو مذهب الشافعي . وسواء عين له العوض أو أطلق ، وذكر ، في " الجامع " أن الخلع يصح .

                                                                                                                                            ويرجع على الوكيل بالمسمى ، ولا شيء على المرأة . هذا إذا قلنا : الخلع بلا عوض يصح . وإن قلنا : لا يصح . لم يصح إلا أن يكون بلفظ الطلاق ، فيقع طلقة رجعية . واحتج بأن وكيل الزوجة لو خالع بذلك صح ، فكذلك وكيل الزوج . وهذا القياس غير صحيح ; فإن وكيل الزوج يوقع الطلاق فلا يصح أن يوقعه على غير ما أذن له فيه ، ووكيل الزوجة لا يوقع ، وإنما يقبل ، ولأن وكيل الزوج إذا خالع على محرم ، فوت على موكله العوض ، ووكيل الزوجة يخلصها منه ، فلا يلزم من الصحة في موضع يخلص موكله من وجوب العوض عليه ، الصحة في موضع يفوته عليه ، ألا ترى أن وكيل الزوجة لو صالح بدون العوض الذي قدرته له ، صح ولزمها ، ولو خالع وكيل الزوج بدون العوض الذي قدره له ، لم يلزمه ، وأما وكيل الزوجة فله حالان ; : أحدهما ، أن تقدر له العوض ، فمتى خالع به فما دون ، صح ، ولزمها ذلك : لأنه زادها خيرا ، وإن خالع بأكثر منه ، صح ولم تلزمها الزيادة ; لأنها لم تأذن فيها ، ولزم الوكيل ، لأنه التزمه للزوج ، فلزمه الضمان ، كالمضارب إذا اشترى من يعتق على رب المال .

                                                                                                                                            وقال القاضي ، في " المجرد " : عليها مهر مثلها ، ولا شيء على وكيلها ; لأنه لا يقبل العقد لنفسه ، إنما يقبله لغيره . ولعل هذا مذهب الشافعي ، والأولى أنه لا يلزمها أكثر مما بذلته ; لأنها ما التزمت أكثر منه ، ولا وجد منها تغرير للزوج ، ولا ينبغي أن يجب للزوج أيضا أكثر مما بذل له الوكيل ; لأنه رضي بذلك [ ص: 274 ] عوضا ، وهو عوض صحيح معلوم ، فلم يكن له أكثر منه ، كما لو بذلته المرأة . الثاني ، أن يطلق الوكالة ، فيقتضي خلعها بمهرها من جنس نقد البلد ، فإن خالعها بذلك فما دون ، صح ، ولزمها ، وإن خالعها بأكثر منه ، فهو كما لو خالعها بأكثر مما قدرت له ، على ما مضى من القول فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية