الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 271 ] كتاب الأطعمة

                                                                                                                                                                        فيه بابان .

                                                                                                                                                                        [ الباب ] الأول

                                                                                                                                                                        في حال الاختيار

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : ما يتأتى أكله من الجماد والحيوان ، لا يمكن حصر أنواعه ، لكن الأصل في الجميع الحل ، إلا ما يستثنيه أحد أصول .

                                                                                                                                                                        الأول : نص الكتاب أو السنة على تحريمه كالخنزير والخمر والنبيذ والميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والنطيحة والحمر الأهلية . ويحل الحمار الوحشي والخيل والمتولد بينهما . وتحرم البغال وسائر ما يتولد من مأكول وغيره ، سواء كان الحرام من أصليه ، الذكر أو الأنثى . ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع ، وذي مخلب من الطائر . والمراد : ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه ، فيحرم الكلب والأسد والذئب والنمر والدب والفهد والقرد والفيل والببر .

                                                                                                                                                                        قلت : هو الببر - بباءين موحدتين - الأولى مفتوحة ، والثانية ساكنة ، وهو حيوان معروف يعادي الأسد ، ويقال له : الفرانق بضم الفاء وكسر النون . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        واختار أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا مذهب مالك ، فقال : يحل الفيل ، [ ص: 272 ] وقال : لا يعدو من الفيلة إلا الفحل المغتلم كالإبل . والصحيح : تحريمه . ويحرم من الطير : البازي والشاهين والنسر والصقر والعقاب وجميع جوارح الطير .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يحل الضب والضبع والثعلب والأرنب واليربوع . ويحرم ابن آوى وابن مقرض على الأصح عند الأكثرين ، وبه قطع المراوزة . ويحل الوبر والدلدل على الأصح المنصوص . والهرة الأهلية حرام على الصحيح ، وقال البوشنجي : حلال . والوحشية حرام على الأصح ، وقال الخضري : حلال . ويحل السمور والسنجاب والفنك والقماقم والحواصل على الأصح المنصوص .

                                                                                                                                                                        الثاني : الأمر بقتله . قال أصحابنا : ما أمر بقتله من الحيوان ، فهو حرام : كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة ، وكل سبع ضار ، ويدخل في هذا الأسد والذئب وغيرهما مما سبق . وقد يكون للشيء سببان أو أسباب تقتضي تحريمه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحرم البغاثة والرخمة ، وأما الغراب فأنواع :

                                                                                                                                                                        منها : الأبقع وهو فاسق محرم بلا خلاف ،

                                                                                                                                                                        ومنها : الأسود الكبير ، ويقال له : الغداف الكبير ، ويقال : الغراب الجبلي ؛ لأنه يسكن الجبال ، وهو حرام على الأصح ، وبه قطع جماعة .

                                                                                                                                                                        ومنها : غراب الزرع ، وهو أسود صغير يقال له : الزاغ ، وقد يكون محمر المنقار والرجلين ، وهو حلال على الأصح . [ ص: 273 ] ومنها : غراب آخر صغير أسود أو رمادي اللون . وقد يقال له : الغداف الصغير ، وهو حرام على الأصح ، وكذا العقعق .

                                                                                                                                                                        الثالث : ما نهي عن قتله ، فهو حرام فيحرم النمل ، والنحل والخطاف والصرد والهدهد على الصحيح في الجميع . ويحرم الخفاش قطعا ، وقد يجري فيه الخلاف . ويحرم اللقلق على الأصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كل ذات طوق من الطير حلال ، واسم الحمام يقع على جميعها ، فيدخل فيه القمري والدبسي واليمام والفواخت . وأدرج في هذا القسم ، الورشان والقطا والحجل وكلها من الطيبات . وما على شكل العصفور في حده فهو حلال ، ويدخل في ذلك الصعوة والزرزور والنغر والبلبل وتحل الحمرة والعندليب على الصحيح فيهما . وتحل النعامة والدجاج والكركي والحبارى . وفي البغبغاء والطاووس ، وجهان : قال في " التهذيب " : أصحهما : التحريم . والشقراق ، قال في " التهذيب " : حلال . وقال الصيمري : حرام . قال أبو عاصم : يحرم ملاعب ظله ، وهو طائر يسبح في الجو مرارا ، كأنه ينصب على طائر . قال : والبوم حرام كالرخم . والضوع حرام ، وفي قول : حلال . وهذا يقتضي أن الضوع غير البوم ، لكن في " الصحاح " : أن الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام . وقال المفضل : هو ذكر البوم . فعلى هذا إن كان في الضوع قول ، لزم إجزاؤه في البوم ؛ لأن الذكر والأنثى من الجنس الواحد لا يفترقان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 274 ] قلت : الضوع - بضاد معجمة مضمومة وواو مفتوحة وعين مهملة والأشهر : أنه من جنس الهام . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        قال أبو عاصم : النهاس حرام كالسباع التي تنهس . واللقاط حلال ، إلا ما استثناه النص ، وأحل البوشنجي اللقاط بلا استثناء . قال : وما تقوت بالطاهرات فحلال ، إلا ما استثناه النص ، وما تقوت بالنجس فحرام .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أطلق مطلقون القول بحل طير الماء ، فكلها حلال ، إلا اللقلق ، ففيه خلاف سبق . وحكي عن الصيمري : أنه لا يؤكل لحم طير الماء الأبيض ، لخبث لحمها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية