الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( يبصرونهم ) يقال : بصرت به أبصر ، قال تعالى : ( بصرت بما لم يبصروا به ) [طه : 96] ويقال : بصرت زيدا بكذا فإذا حذفت الجار قلت : بصرني زيد كذا فإذا أثبت الفعل للمفعول به وقد حذفت الجار [ ص: 112 ] قلت : بصرني زيدا ، فهذا هو معنى يبصرونهم ، وإنما جمع فقيل : يبصرونهم لأن الحميم وإن كان مفردا في اللفظ فالمراد به الكثرة والجميع, والدليل عليه قوله تعالى : ( فما لنا من شافعين ) [الشعراء : 100] ومعنى يبصرونهم يعرفونهم ، أي يعرف الحميم الحميم حتى يعرفه ، وهو مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه ، فإن قيل : ما موضع يبصرونهم ؟ قلنا : فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه متعلق بما قبله كأنه لما قال : ( ولا يسأل حميم حميما ) قيل : لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم ولكنهم لاشتغالهم بأنفسهم لا يتمكنون من تساؤلهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه متعلق بما بعده ، والمعنى أن المجرمين يبصرون المؤمنين حال ما يود أحدهم أن يفدي نفسه بكل ما يملكه ، فإن الإنسان إذا كان في البلاء الشديد ثم رآه عدوه على تلك الحالة كان ذلك في نهاية الشدة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الرابعة : قوله : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المجرم هو الكافر ، وقيل : يتناول كل مذنب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرئ "يومئذ" بالجر والفتح على البناء ، لسبب الإضافة إلى غير متمكن ، وقرئ أيضا : "من عذاب يومئذ" بتنوين " عذاب " ونصب " يومئذ " وانتصابه بعذاب ؛ لأنه في معنى تعذيب .

                                                                                                                                                                                                                                            ( وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ) فصيلة الرجل ، أقاربه الأقربون الذين فصل عنهم وينتهي إليهم ؛ لأن المراد من الفصيلة المفصولة ؛ لأن الولد يكون منفصلا من الأبوين ، قال عليه السلام : " فاطمة بضعة مني " فلما كان هو مفصولا منهما ، كانا أيضا مفصولين منه ، فسميا فصيلة لهذا السبب ، وكان يقال للعباس فصيلة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن العم قائم مقام الأب ، وأما قوله : ( تؤويه ) فالمعنى تضمه انتماء إليها في النسب ، أو تمسكا بها في النوائب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية