الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 194 ] ( الـ ) : تكون حرفا إذا دخلت على الجامد ، وتكون اسما إذا دخلت على المشتق فتكون بمعنى الذي كالضارب . واحتج على أنها اسم بعود الضمير عليها .

                                                      وخالف المازني وقال : حرف بدليل تخطي العامل في قولك : مررت بالقائم ، ولو كانت اسما ، لكانت فاصلة بين حرف الجر ومعموله ، والاسم لا يتخطاه العامل ، وتعمل فيما بعده . وأما الاستدلال بعود الضمير فلا حجة فيه ; لأن أبا علي قال : في " الإيضاح " والضمير يعود إلى ما يدل عليه الألف واللام من الذي . ثم اللام قسمان : أحدهما : أن يقصد بها تعريف معين وهو العهد ، وينقسم إلى ذكري ، وهو تقديمه في اللفظ نحو { فأرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } وإلى ذهني نحو { اليوم أكملت لكم دينكم } وقوله : { إذ هما في الغار } وقد اجتمعا في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } فالأولى للذهني والثانية للذكري .

                                                      والثاني : أن يقصد بها تعريف ما كان منكورا باعتبار حقيقته ، وهي على ثلاثة أقسام :

                                                      [ ص: 195 ] أحدها : أن يراد بها الحقيقة من حيث هي مع قطع النظر عن الشخص والعموم ، كقولك : الرجل خير من المرأة ، وجعل منه ابن دقيق العيد قول عبد الله بن أبي أوفى : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد } . الثاني : أن يراد بها الحقيقة باعتبار قيامها بواحد ، وتعرف بأنها إذا نزعت لا يحسن موضعها " كل " كقوله ، تعالى : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } أي : جعلنا مبدأ كل حي هذا الجنس الذي هو الماء ، فهذا النوع التعريف قريب في المعنى من النكرة ، ولهذا وصف به في الجملة في قوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني وهو يدل على حقيقة معقولة متحدة في الذهن باعتبار وضعه ، فإن دل على تعدد فهو باعتبار الوجود لا باعتبار موضوعه ، وإذا أطلق على الوجود أطلق على غير ما وضع له . ويتعين في بعض المحال إرادة الحقيقة مثل : الإنسان حيوان ناطق .

                                                      والحد للذهني لكن صحته على الوجود شرط فيه ، وهو في بعضها استعمال مجازي ، نحو أكلت الخبز وشربت الماء ، لبطلان إرادة الجنس . والثالث : أن يراد بها الحقيقة باعتبار كلية ذلك المعنى ، وتعرف بأنها إذا نزعت حسن أن يخلفها في موضعها لفظ " كل " على سبيل الحقيقة ، وصحة الاستثناء من مصحوبها مع كونه بلفظ المفرد ، كقوله تعالى : { إن [ ص: 196 ] الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } فإنه يصح أن يقال : إن كل إنسان وقد استثنى منه الذين آمنوا . وذكر ابن مالك علامة ثالثة وهي جواز وصف مصحوبها بالجمع مع كونه بلفظ المفرد ، كقولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض وقوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على } .

                                                      ورده شيخنا ابن هشام بوجهين : أحدهما : أن " أل " فيهما ليست لعموم الإفراد بدليل أنه لا يصح قيام " كل " مقامها ، بل هي لتعريف الجنس من حيث هو هو أي : تعريف الماهية . والثاني : أن الطفل من الألفاظ التي تستعمل للواحد والجمع بلفظ واحد ، كجنب بدليل قوله : { ثم يخرجكم طفلا } وليس فيه ألف ولام . قلت : ومن أمثلة هذا القسم قوله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم } وسواء كان الشمول باعتبار الجنس كالرجل والمرأة أو باعتبار الوصف كالسارق والسارقة . وذكر الماوردي في كتاب الأيمان عند الكلام في لا أشرب الماء : أن الألف واللام تارة تكون للجنس وتارة للعهد ، وأنها حقيقة فيهما . وظاهر كلام أهل البيان والنحو أنها حقيقة في العهد ، ولهذا يحملونها على ذلك ; لأن المعهود أقرب إلى التحقق من الجنس ، ومتى كان هناك عهد ذكرى فلا يجوز حملها على الخارجي بشخصه ، ولا على الجنس من حيث [ ص: 197 ] هو هو ، فإنه الحقيقة إذا أريد بها شيء بعينه مجازا حمل على المبالغة والكمال فيها ، والمقام لا يقتضي ذلك . وقال صاحب " البسيط " أقوى تعريف ل " لام " الحضور ثم العهد ثم الجنس . وزعم السكاكي أن لام التعريف تكون لتعريف العهد لا غير ، ورد الباقي إليه ، وبناه على قول بعض الأصوليين : إن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير .

                                                      وظهر بما ذكرناه الفرق بين لام الجنس ولام العموم . وفرق ابن عصفور بينهما بأنها إن أحدثت في الاسم معنى الجنسية كانت للجنس ، نحو دينار ينطلق على كل دينار على سبيل البدل ، فإذا عرفته دل على الشمول بخلاف قولك : لبن ، فإنه واقع على جنس اللبن . فإذا قلت : اللبن ب " أل " عرفت الجنس ولم تصيره جنسا ، بل دخلت لتعرف الجنس ، وفيما قاله نظر . والظاهر أن " أل " فيما يتعلق في الدينار واللبن على السواء ، فإنها إن دخلت على كلي فللجنس أو على جزئي فللعهد ، أو على كل فللعموم ، ولم يقل أحد في الاسم إنه يدل على الكلي لصدقه على الآحاد على البدل . وذكر ابن مالك من أقسامها تعريف الحضور . والصواب : أنه ليس قسيما بل هو قسم من الأول .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية