الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا .

شروع في التشريع المقصود من السورة ، وأعيد فعل اتقوا : لأن هذه التقوى مأمور بها المسلمون خاصة ، فإنهم قد بقيت فيهم بقية من عوائد الجاهلية لا يشعرون بها ، وهي التساهل في حقوق الأرحام والأيتام .

واستحضر اسم الله العلم هنا دون ضمير يعود إلى ربكم لإدخال الروع في ضمائر السامعين . لأن المقام مقام تشريع يناسبه إيثار المهابة بخلاف مقام قوله اتقوا ربكم فهو مقام ترغيب . ومعنى " تساءلون " به يسأل بعضكم بعضا به في القسم فالمسايلة به تؤذن بمنتهى العظمة ، فكيف لا تتقونه .

وقرأ الجمهور تساءلون بتشديد السين لإدغام التاء الثانية ، وهي تاء التفاعل في السين ، لقرب المخرج واتحاد الصفة ، وهي الهمس . وقرأ حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف : تساءلون بتخفيف السين على أن تاء الافتعال حذفت تخفيفا .

" والأرحام " قرأه الجمهور بالنصب عطفا على اسم الله . وقرأه حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور . فعلى قراءة الجمهور يكون " الأرحام " مأمورا بتقواها على المعنى المصدري أي اتقائها ، وهو على حذف مضاف ، أي اتقاء حقوقها ، فهو من استعمال المشترك [ ص: 218 ] في معنييه ، وعلى هذه القراءة فالآية ابتداء تشريع وهو مما أشار إليه قوله تعالى : وخلق منها زوجها وعلى قراءة حمزة يكون تعظيما لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضا بها ، وذلك قول العرب ( ناشدتك الله والرحم ) كما روي في الصحيح : أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصلت حتى بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأخذت عتبة رهبة وقال : ناشدتك الله والرحم . وهو ظاهر محمل هذه الرواية وإن أباه جمهور النحاة استعظاما لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، حتى قال المبرد " لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة " وهذا من ضيق العطن وغرور بأن العربية منحصرة فيما يعلمه ، ولقد أصاب ابن مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجار ، فتكون تعريضا بعوائد الجاهلية ، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها ، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم ، فناقضت أفعالهم أقوالهم ، وأيضا هم آذوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - وظلموه ، وهو من ذوي رحمهم وأحق الناس بصلتهم كما قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم وقال لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم . وقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . وعلى قراءة حمزة يكون معنى الآية تتمة لمعنى التي قبلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية