الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والرازي لما كان مثبتا لهذا الإمكان، موافقة لابن سينا، كان في كلامه من الاضطراب ما هو معروف في كتبه الكبار والصغار، مع أن هؤلاء كلهم يثبتون في كتبهم المنطقية ما يوافقون فيه سلفهم أرسطو وغيره: أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثا كائنا بعد أن لم يكن، وقد ذكر أبو الوليد بن رشد الحفيد هذا وقال: "ما ذكره ابن سينا ونحوه، من أن الشيء يكون ممكنا يقبل الوجود والعدم، مع كونه قديما أزليا، قول لم يقله أحد من الفلاسفة قبل ابن سينا

قلت: وابن سينا قد ذكر أيضا في غير موضع أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم، لا يكون إلا حادثا، مسبوقا بالعدم، كما قاله سلفه وسائر العقلاء، وقد ذكرت ألفاظه من كتاب الشفاء وغيره في غير هذا [ ص: 141 ] الموضع، وهو مما يتبين به اتفاق العقلاء على أن كل ممكن يقبل الوجود والعدم فلا يكون إلا حادثا كائنا بعد أن لم يكن، وهذا مما يبين أن كل ما سوى الواجب بنفسه فهو محدث، كائن بعد أن لم يكن، وهذا لا يناقض دوام فاعليته.

والمقصود هنا أن نفس الحدوث والإمكان دليل على الافتقار إلى الموثر، وأما كون أحدهما جعل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق فهذا خطأ، بل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق بذاتها، واحتياجها إلى المؤثر أمر ذاتي لها، لا يحتاج إلى علة، فإنه ليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل، وهو باطل باتفاق العلماء، بل من الأحكام ما هو لازم للذوات، لا يمكن أن يكون مفارقا للذوات، ولا يفتقر إلى علة، وكون كل ما سوى الله فقيرا إليه محتاجا إليه دائما هو من هذا الباب.

فالفقر والاحتياج أمر لازم ذاتي لكل ما سوى الله، كما أن الغنى والصمدية أمر لازم لذات الله، فيمتنع أن يكون سبحانه فقيرا، ويمتنع أن يكون إلا غنيا عن كل ما سواه، ويمتنع فيما سواه أن يكون غنيا عنه [ ص: 142 ] بوجه من الوجوه، ويجب في كل ما سواه أن يكون فقيرا محتاجا إليه دائما في كل وقت.

التالي السابق


الخدمات العلمية