الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 331 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فما أصبرهم على النار ( 175 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .

ذكر من قال ذلك :

2500 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .

2501 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم عليها .

2502 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن بشر عن الحسن في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار .

2503 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا مسعر وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو بكير قال : حدثنا مسعر ، عن حماد عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه : " فما أصبرهم على النار " ، ما أجرأهم .

2504 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما أعملهم بأعمال أهل النار . [ ص: 332 ]

ذكر من قال ذلك :

2505 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بالباطل .

2506 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

واختلفوا في تأويل " ما " التي في قوله : " فما أصبرهم على النار " . فقال بعضهم : هي بمعنى الاستفهام ، وكأنه قال : فما الذي صبرهم؟ أي شيء صبرهم؟

ذكر من قال ذلك :

2507 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فما أصبرهم على النار " ، هذا على وجه الاستفهام . يقول : ما الذي أصبرهم على النار؟

2508 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج الأعور قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال لي عطاء : " فما أصبرهم على النار " قال : ما يصبرهم على النار ، حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟

2509 - حدثنا أبو كريب قال : سئل أبو بكر بن عياش : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام ، ولو كانت من الصبر قال : " فما أصبرهم " ، رفعا . قال : يقال للرجل : " ما أصبرك " ، ما الذي فعل بك هذا؟

2510 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام . يقول ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا؟ [ ص: 333 ]

وقال آخرون : هو تعجب . يعني : فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار!

ذكر من قال ذلك :

2511 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بأعمال أهل النار!

وهو قول الحسن وقتادة ، وقد ذكرناه قبل .

فمن قال : هو تعجب - وجه تأويل الكلام إلى : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة " ، فما أشد جراءتهم - بفعلهم ما فعلوا من ذلك - على ما يوجب لهم النار! كما قال تعالى ذكره : ( قتل الإنسان ما أكفره ) [ سورة عبس : 17 ] ، تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه .

فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام ، فمعناه : هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار - والنار لا صبر عليها لأحد - حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا؟

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : ما أجرأهم على النار ، بمعنى : ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها . وذلك أنه مسموع من العرب : " ما أصبر فلانا على الله " ، بمعنى : ما أجرأ فلانا على الله! وإنما يعجب الله من خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا [ ص: 334 ] من السحت والرشى التي أعطوها - على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك . مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه .

وإنما معنى ذلك : فما أجرأهم على عذاب النار! ولكن اجتزئ بذكر " النار " من ذكر " عذابها " ، كما يقال : " ما أشبه سخاءك بحاتم " ، بمعنى : ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم ، " وما أشبه شجاعتك بعنترة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية