الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فأزلهما الشيطان الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 286 ] أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : فأزلهما قال : فأغواهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة فأزلهما قال : فنحاهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي داود في " المصاحف " عن الأعمش قال : في قراءتنا في البقرة مكان فأزلهما فوسوس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لما قال الله لآدم اسكن أنت وزوجك الجنة أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة، فمنعه الخزنة، فأتى الحية، وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير، وهي كأحسن الدواب، فكلمها أن تدخله في فقمها حتى تدخل به إلى آدم، فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة، فدخلت ولا [ ص: 287 ] يعلمون، لما أراد الله من الأمر، فكلمه من فقمها، فلم يبال بكلامه، فخرج إليه فقال : يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وحلف لهما بالله إني لكما لمن الناصحين [ الأعراف : 21] فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حواء فأكلت، ثم قالت : يا آدم كل، فإني قد أكلت فلم يضرني، فلما أكل بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير عن ابن عباس قال : إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أنها تحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم، فكل الدواب أبى ذلك عليه، حتى كلم الحية فقال لها : أمنعك من ابن آدم، فأنت في ذمتي إن أدخلتني الجنة فحملته بين نابين من أنيابها، ثم دخلت به فكلمه من فيها، وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها، يقول ابن عباس : فاقتلوها حيث وجدتموها اخفروا ذمة عدو الله فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق، وابن المنذر ، وابن عساكر في [ ص: 288 ] " تاريخه " عن ابن عباس قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما وكان الذي دارى عنهما من سوآتهما أظفارهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض فانطلق آدم موليا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من شجر الجنة فناداه ربه : يا آدم أمني تفر؟ قال : لا ولكني أستحييك يا رب، قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟ قال : بلى يا رب ولك – ولكن وعزتك - ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا . قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا، فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان منها رغدا، فأهبطا إلى غير رغد من طعام ولا شراب، فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث، وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد داسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ، وكان آدم حين أهبط من الجنة بكى بكاء لم يبكه أحد، فلو وضع بكاء داود على خطيئته، وبكاء يعقوب على ابنه، وبكاء ابن آدم على أخيه حين قتله مع بكاء أهل الأرض، ما عدل ببكاء آدم عليه السلام حين أهبط .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 289 ] وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عمير قال : قال الله لآدم : اخرج من جواري وعزتي لا يجاورني في داري من عصاني، يا جبريل أخرجه إخراجا غير عنيف . فأخذ بيده يخرجه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق في " المبتدأ "، وابن سعد، وأحمد ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في " التوبة "، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في “ البعث والنشور" عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن آدم كان رجلا طوالا، كأنه نخلة سحوق ستين ذراعا كثير شعر الرأس، فلما ركب الخطيئة بدت له سوته، وكان لا يراها قبل ذلك فانطلق هاربا في الجنة، فتعلقت به شجرة فأخذت بناصيته، فقال لها : أرسليني . قالت : لست بمرسلتك، وناداه ربه : يا آدم أمني تفر؟ قال : يا رب إني أستحييك . قال : يا آدم اخرج من جواري، فبعزتي لا أساكن من عصاني، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقا ثم عصوني، لأسكنتهم دار العاصين، قال : أرأيت إن أنا تبت ورجعت، أتتوب علي؟ قال : نعم، يا آدم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 290 ] وأخرج ابن عساكر من حديث أنس ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن منيع، وابن أبي الدنيا في كتاب " البكاء "، وابن المنذر ، وأبو الشيخ في " العظمة "، والحاكم وصححه، والبيهقي في " الشعب "، وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال الله لآدم : يا آدم، ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال : يا رب زينت لي حواء . قال : فإني عاقبتها بأن لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها ودميتها في كل شهر مرتين . قال : فرنت حواء عند ذلك فقيل لها : عليك الرنة وعلى بناتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارقطني في " الأفراد "، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله بعث جبريل إلى حواء حين دميت فنادت ربها جاء مني دم لا أعرفه، فناداها لأدمينك وذريتك ولأجعلنه لك كفارة وطهورا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في “ الدلائل “ والخطيب في التاريخ والديلمي في [ ص: 291 ] " مسند الفردوس "، وابن عساكر بسند واه عن ابن عمر مرفوعا : فضلت على آدم بخصلتين، كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتى أسلم وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر في حديث أبي هريرة مرفوعا، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد، أن آدم ذكر محمدا رسول الله فقال : إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير، أن زوجته كانت عونا له على دينه وكانت زوجتي عونا لي على الخطيئة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، ومسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه، وابن أبي حاتم والآجري في " الشريعة "، والبيهقي في “ الأسماء والصفات “ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى فقال موسى : أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة . قال له آدم : أنت موسى الذي أعطاك الله كل شيء واصطفاك برسالته قال : نعم، قال : فتلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 292 ] وأخرج عبد بن حميد في " مسنده "، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى، فقال موسى : أنت خليقة الله بيده، أسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، فأخرجت ذريتك من الجنة وأشقيتهم . فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ورسالاته، تلومني في شيء وجدته قد قدر علي قبل أن أخلق . فحج آدم موسى، فحج آدم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والآجري في " الشريعة "، والبيهقي في “ الأسماء والصفات “ عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موسى قال : يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة . فأراه الله آدم، فقال : أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم : نعم، قال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال : نعم، قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم : ومن أنت؟ قال : أنا موسى . قال : أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء [ ص: 293 ] الحجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال : نعم، قال : فما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال : نعم، قال : فلم تلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : فحج آدم موسى، فحج آدم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي، وأبو يعلى ، والطبراني والآجري عن جندب البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته، وفعلت ما فعلت فأخرجت ولدك من الجنة . فقال آدم : أنت موسى الذي بعثك الله برسالاته، وكلمك وآتاك التوراة، وقربك نجيا أنا أقدم أم الذكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى، فحج آدم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو بكر الشافعي في " الغيلانيات " عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى فقال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة . قال [ ص: 294 ] آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وأنزل عليك التوراة وكلمك تكليما، فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار في " تاريخه " عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التقى آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وأدخلك جنته ثم أخرجتنا منها؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وقربك نجيا، وأنزل عليك التوراة، فأسألك بالذي أعطاك ذلك بكم تجده كتب علي قبل أن أخلق؟ قال : أجده كتب عليك بالتوراة بألفي عام . فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية