الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : العطش : كناية عن غلبة ولوع بمأمول .

الولوع بالشيء : هو التعلق به بصفة المحبة ، مع أمل الوصول إليه .

وقيل في حد الولوع : إنه كثرة ترداد القلب إلى الشيء المحبوب . كما يقال : فلان مولع بكذا ، وقد أولع به .

وقيل : هو لزوم القلب للشيء . فكأنه مثل : أغري به ، فهو مغرى .

قال : وهو على ثلاث درجات . الأولى : عطش المريد إلى شاهد يرويه . أو إشارة تشفيه . أو عطفة تؤويه .

ولما كان المريد من أهل طلب الشواهد على الاعتبار ، ومثير العزمات ، وتعلق العباد بالأعمال .

وقوله " شاهد يرويه " يحتمل : أنه من الرواية . أي يرويه عمن أقامه له . فيكون ذلك إشارة إلى شواهد العلم . فهو شديد العطش إلى شواهد يرويها عن الصادقين من أهل السلوك ، يزداد بها تثبيتا وقوة بصيرة . فإن المريد إذا تجددت له حالة ، أو حصل له [ ص: 64 ] وارد : استوحش من تفرده بها . فإذا قام عنده بمثلها شاهد حال لمريد آخر صادق ، قد سبقه إليها : استأنس بها أعظم استئناس . واستدل بشاهد ذلك المريد على صحة شاهده . فلذلك يشتد عطشه إلى شاهد يرويه عن الصادقين .

ويحتمل : أنه من الري - فيكون مضموم الياء - يعني : إذا حصل له الري بذلك الشاهد . ونزل على قلبه منزلة الماء البارد من الظمآن . فقرر عنده صحته ، وأنه شاهد حق .

ويرجح هذا : ذكر الري مع العطش . ويرجح الأول : ذكره لفظة الري في قوله " أو عطفة ترويه " والأمر قريب .

قوله " أو إشارة تشفيه " أي تشفي قلبه من علة عارضة . فإذا وردت عليه الإشارة - إما من صادق مثله ، أو من عالم ، أو من شيخ مسلك ، أو من آية فهمها ، أو عبرة ظفر بها - : اشتفى بها قلبه . وهذا معلوم عند من له ذوق .

قوله " أو إلى عطفة ترويه " أي عطفة من جانب محبوبه عليه ، تروي لهيب عطشه وتبرده . ولا شيء أروى لقلب المحب من عطف محبوبه عليه . ولا شيء أشد للهيبه وحريقه من إعراض محبوبه عنه . ولهذا كان عذاب أهل النار باحتجاب ربهم عنهم : أشد عليهم مما هم فيه من العذاب الجسماني . كما أن نعيم أهل الجنة - برؤيته تعالى وسماع خطابه ورضاه وإقباله - أعظم من نعيمهم الجسماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية