الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1191 ( باب فضل من مات له ولد فاحتسب )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان فضل من مات له ولد فاحتسب ، أي صبر راضيا بقضاء الله تعالى راجيا لرحمته وغفرانه ، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه ; لأن له حينئذ أن يعتد بعمله ، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به ، والاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر ، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها ، وإنما ذكر لفظ الولد ليتناول [ ص: 27 ] الذكر والأنثى والواحد فما فوقه . فإن قلت : أحاديث الباب ثلاثة ، وفيها التقييد بثلاثة واثنين . قلت : في بعض طرق الحديث الوارد فيه ذكر الواحد كما ستقف عليه فيما نذكره الآن ; لأنه روي في هذا الباب عن جماعة من الصحابة ، وهم أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري ومعاذ بن جبل وعتبة بن عبد وجابر بن عبد الله ومطرف بن الشخير وأنس بن مالك وأبو ذر وعبادة بن الصامت وأبو ثعلبة وعقبة بن عامر وقرة بن إياس المزني وعلي بن أبي طالب وأبو أمامة وأبو موسى والحارث بن وقيش وجابر بن سمرة وعمرو بن عبسة ومعاوية بن حيدة وعبد الرحمن بن بشير وزهير بن علقمة وعثمان بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير وابن النضر السلمي وسفينة وحوشب بن طخمة والحسحاس بن بكر وعبد الله بن عمر والزبير بن العوام وبريدة وأبو سلمة راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو برزة الأسلمي وعائشة أم المؤمنين وحبيبة بنت سهل وأم سليم وأم مبشر ورجل لم يسم رضي الله تعالى عنهم .

                                                                                                                                                                                  فحديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم والنسائي وحديث عبد الله بن مسعود عند الترمذي عن ابنه أبي عبيدة عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قدم ثلاثة لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا . قال أبو ذر : قدمت اثنين ، قال : واثنين ، قال أبي بن كعب سيد القراء : قدمت واحدا ، قال : وواحدا ، ولكن إنما ذلك عند الصدمة الأولى " . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، وحديث عبد الله بن عباس عند الترمذي أيضا من حديث سماك بن الوليد الحنفي يحدث أنه سمع ابن عباس يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة . فقالت عائشة : فمن كان له فرط من أمتك ؟ فقال : ومن كان له فرط يا موفقة ، قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال : أنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي " ، وقال : هذا حديث حسن غريب ، وحديث أبي سعيد عند البخاري ومسلم والنسائي من رواية ذكوان عنه على ما يجيء إن شاء الله تعالى ، وحديث معاذ عند ابن أبي شيبة في مصنفه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أوجب ذو الثلاثة قالوا : وذو الاثنين يا رسول الله ؟ قال : وذو الاثنين " . ورواه أحمد والطبراني أيضا ، وروى ابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسروره إلى الجنة إذا احتسبته " ، والسرر بفتحتين هو ما تقطعه القابلة من السرة . وحديث عتبة بن عبد عند ابن ماجه عن محمود بن لبيد عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل " . وحديث جابر بن عبد الله عند البيهقي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم عند الله دخل الجنة ، قال : قلت يا رسول الله : واثنان ؟ قال : واثنان قال محمود فقلت لجابر : والله إني لأراكم لو قلتم واحدا لقال واحدا ، قال أنا والله أظن ذلك " . ورواه أحمد أيضا ، وحديث مطرف بن الشخير عند مسدد في مسنده قال : " قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم للأنصار : ما الرقوب فيكم ؟ قالوا الذي لا ولد له قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ليس ذاكم بالرقوب ; الرقوب الذي يقدم على ربه ، ولم يقدم أحدا من ولده " . الحديث عند البخاري والنسائي ، وحديث أبي ذر عند النسائي من رواية الحسن عن صعصعة بن معاوية قال : لقيت أبا ذر قلت : حدثني قال : نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما بفضل رحمته إياهم " . وحديث عبادة بن الصامت عند أبي داود الطيالسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والنفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة " . وحديث أبي ثعلبة الأشجعي عند أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن عمر بن نبهان عنه قال : قلت يا رسول الله مات لي ولدان في الإسلام ، فقال : من مات له ولدان في الإسلام أدخله الجنة بفضل رحمته إياهما . وحديث عقبة بن عامر عند الطبراني في الكبير من حديث أبي عشانة المعافري أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله عز وجل وجبت له الجنة " . ورواه أحمد أيضا وحديث قرة بن إياس عند النسائي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه : " أن رجلا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه ابن له ، فقال : أتحبه ، فقال : أحبك الله كما أحبه ، فمات ففقده فسأل عنه ، فقال : ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك " . وحديث علي عند الدارقطني في العلل عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " من مات له ثلاثة من الولد " . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال : " قال رسول الله صلى الله [ ص: 28 ] تعالى عليه وسلم : " إن السقط ليراغم ربه إن أدخل أبويه النار حتى يقال له أيها السقط المراغم ربه ارجع فإني قد أدخلت أبويك الجنة. قال: فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة " ورواه أبو يعلى أيضا، وحديث أبي أمامة عند ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة من الأولاد لم يبلغوا الحلم إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم " . وحديث أبي موسى عند البخاري في الجنائز، وحديث الحارث بن وقيش - ويقال أقيش - عند ابن أبي شيبة في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلا أدخلهما الله الجنة . قالوا : يا رسول الله وثلاثة ؟ قال : وثلاثة . قالوا : واثنان ؟ قال : واثنان " . وحديث جابر بن سمرة عند الطبراني في الكبير أنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم " من دفن ثلاثة من الولد فصبر عليهم واحتسبهم وجبت له الجنة فقالت أم أيمن : أو اثنين ؟ فقال : ومن دفن اثنين فصبر عليهما واحتسبهما وجبت له الجنة . فقالت أم أيمن : أو واحدا ؟ قالت : فسكت ، أو أمسك ، فقال : سمعت أم أيمن من دفن واحدا فصبر واحتسب كانت له الجنة " .

                                                                                                                                                                                  وحديث عمرو بن عبسة عند الطبراني أيضا في الكبير من رواية الوضين الحديث ، وفيه : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول " ما من مؤمن ولا مؤمنة يقدم الله له ثلاثة أولاد من صلبه لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته هو وإياهم " . وحديث معاوية بن حيدة عند ابن حبان في الضعفاء عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " سوداء ولود خير من حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم حتى إن السقط ليظل محبنطيا على باب الجنة فيقال : ادخل فيقول أنا وأبوي فيقال أنت وأبويك " .

                                                                                                                                                                                  وحديث عبد الرحمن بن بشير عند الطبراني في الكبير قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لن يلج النار إلا عابر سبيل " يعني الجواز على الصراط . وحديث زهير بن علقمة عند الطبراني في الكبير قال : " جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن لها مات ، فكان القوم عنفوها ، فقالت : يا رسول الله مات لي ابنان ، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لقد احتظرت من النار احتظارا شديدا " ورواه البزار أيضا رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  وحديث عثمان بن أبي العاص عند الطبراني أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد استجن جنة حصينة من النار رجل سلف بين يديه ثلاثة من صلبه في الإسلام " . وحديث عبد الله بن الزبير عند الدارقطني في العلل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة من الولد " . الحديث . وحديث ابن النضر السلمي عند مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار ، فقالت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو اثنان قال : أو اثنان " . قال ابن عبد البر "ابن النضر" هذا مجهول في الصحابة والتابعين ، واختلفت الرواة للموطأ ; فبعضهم يقول : عن ابن النضر وهو الأكثر ، وبعضهم يقول : عن أبي النضر ولا يعرف إلا بهذا الحديث . وحديث سفينة عند ابن إسحاق بن إبراهيم البغدادي في كتاب رواية الأكابر عن الأصاغر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان ; سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وفرط صالح يفرطه . وحديث حوشب بن طخمة الحميري عند ابن منده في كتاب الصحابة وابن قانع أيضا في معجم الصحابة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال : " من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له : ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك " . اللفظ لابن قانع ، وهو عند ابن منده مطول بلفظ آخر .

                                                                                                                                                                                  وحديث الحسحاس ابن بكر عند أبي موسى المديني الذي ذيل به على الصحابة لابن منده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من لقي الله بخمس عوفي من النار وأدخل الجنة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وولد يحتسب " . وحديث عبد الله بن عمر عند الطبراني قال : " إن رجلا من الأنصار كان له ابن يروح إذا راح النبي ، فسأل نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم عنه ، فقال : أتحبه ، قال : يا نبي الله نعم ، فأحبك الله كما أحبه ، فقال : إن الله أشد لي حبا منك له ، فلم يلبث أن مات ابنه ذاك ، فراح إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقد أقبل عليه بثه ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أجزعت قال : نعم ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أولا ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش ؟ قال : بلى يا رسول الله " . وحديث الزبير بن العوام عند الدارقطني في العلل : عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " من مات له ثلاثة من الولد " . الحديث . وحديث بريدة عند البزار قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها . الحديث ، وفيه : " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الرقوب الذي [ ص: 29 ] يعيش ولدها : أنه لا يموت لامرأة مسلمة أو امرئ مسلم نسمة ، أو قال : ثلاثة من ولده ، فيحتسبهم إلا وجبت له الجنة ، فقال عمر : واثنين قال : واثنين . وحديث ابن سلمى عند النسائي في اليوم والليلة عنه مرفوعا : " بخ بخ بخمس " . مثل حديث سفينة ، وحديث أبي برزة الأسلمي عند أحمد ، رواه من حديث الحارث بن وقيش ، قال : كنا عند أبي برزة ، فحدث ليلتئذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته ، فقالوا : يا رسول الله وثلاثة ، قال : وثلاثة ، قالوا واثنان ؟ قال : واثنان " . واسم أبي برزة نضلة بن عبيد على الصحيح . وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند الطبراني في الأوسط : " من قدم ثلاثة من الولد صابرا محتسبا حجبوه عن النار بإذن الله تعالى " . وحديث حبيبة بنت سهل عند الطبراني في الكبير من حديث محمد بن سيرين عنها قالت :قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أطفال لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم " . وحديث أم سليم عند ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عمرو الأنصاري عن أم سليم ابنة ملحان - وهي أم أنس - أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلمين " . الحديث نحو حديث حبيبة بنت سهل . وحديث أم مبشر عند الطبراني في الكبير من حديث سعيد بن المسيب عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : يا أم مبشر من كان له ثلاثة أفراط من ولده أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ، وكانت أم مبشر تطبخ طبيخا ، فقالت : أو فرطان ، فقال : أو فرطان " . وحديث رجل لم يسم عند ابن أبي شيبة في مصنفه : " عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لامرأة أتته بصبي لها فقالت : يا رسول الله ادع الله سبحانه وتعالى أن يبقيه فقد مضى لي ثلاثة ، فقال : أمذ أسلمت ؟ قالت : نعم قال : جنة حصينة من النار " .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية