الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( هي أشد وطئا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( هي أشد ) أي مواطأة وملاءمة وموافقة ، وهو مصدر يقال : واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطأة ، ومنه ( ليواطئوا عدة ما حرم الله ) [التوبة : 37] أي : ليوافقوا ، فإن فسرنا الناشئة بالساعات كان المعنى أنها أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص ، وإن فسرناها بالنفس الناشئة كان المعنى شدة المواطأة بين القلب واللسان ، وإن فسرناها بقيام الليل كان المعنى ما يراد من الخشوع والإخلاص ، وإن فسرناها بما ذكرت كان المعنى أن إفضاء تلك المجاهدات إلى حصول المكاشفات في الليل أشد منه في النهار ، وعن الحسن أشد موافقة بين السر والعلانية ؛ لانقطاع رؤية الخلائق .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرئ "أشد وطئا" بالفتح والكسر وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الفراء : أشد ثبات قدم ؛ لأن [ ص: 156 ] النهار يضطرب فيه الناس ويتقلبون فيه للمعاش .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار ، وهو من قولك : اشتدت على القوم وطأة سلطانهم إذا ثقل عليهم معاملتهم معه ، وفي الحديث : " اللهم اشدد وطأتك على مضر " فأعلم الله نبيه أن الثواب في قيام الليل على قدر شدة الوطأة وثقلها ، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام : " أفضل العبادات أحمزها " أي أشقها . واختار أبو عبيدة القراءة الأولى ، قال : لأنه تعالى لما أمره بقيام الليل ذكر هذه الآية ، فكأنه قال : إنما أمرتك بصلاة الليل ؛ لأن موافقة القلب واللسان فيه أكمل ، وأيضا الخواطر الليلية إلى المكاشفات الروحانية أتم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية