الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            60 - تزيين الآرائك

            في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملائك

            بسم الله الرحمن الرحيم

            مسألة : ما تقولون في قول العلماء أنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلى الملائكة ، وفي قول الحافظ زين الدين العراقي : إن السماء ليست محلا للتكليف ، وقد أشكل ذلك بأمور ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : وأرسلت إلى الخلق كافة والخلق يعم الإنس والجن ، والملائكة ، فإن فسر بالثقلين فقط فما المخصص ؟ وقوله تعالى : ( ليكون للعالمين نذيرا ) والعالم يعم الملائكة وقوله : ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) وقد بلغ الملائكة ، وقد ورد أن الملائكة لا يفترون عن عبادة ربهم ، وورد صريحا أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة كحديث ابن عمر : " إن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرض إلا الأذان " ، وحديث سلمان : " إذا كان الرجل في أرض فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان ، فإذا أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه " ، وقد قاتلت الملائكة الكفار ، وتحضر صلاة الجمعة وغير ذلك مما يطول ، أشكل ذلك ؟ الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، سألت أكرمك الله فأحسنت غاية الإحسان ، وأوردت فأتقنت كل الإتقان ، وأنا أجيبك عن ذلك بجوابين : أحدهما جدلي ، والآخر تحقيقي : أما الجواب الجدلي ، فقولك : الخلق يعم ، والعالمين يعم ، ومن بلغ يعم ، جوابه : أنه من العام المخصوص أو المراد به الخصوص ، وقولك : ما هو المخصص ؟ جوابه : إن مستنده الإجماع الذي ادعاه من ادعى ، وقولك : ورد أنهم لا يفترون جوابه منع الملازمة بينه وبين المدعي الذي هو بعثته إليهم ; لأن عبادتهم تكون بالأخذ عن ربهم أو بإرسال ملك من جنسهم إليهم كجبريل أو إسرافيل أو غيرهما ، قال [ ص: 169 ] تعالى : ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) ، وقال تعالى : ( قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) ، وقولك : ورد صريحا أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة ثم أوردت حديث ابن عمر وليس فيه دلالة فضلا عن صراحة ; لأن أكثر ما فيه أنهم يسمعون الأذان وليس فيه أنهم يتعبدون به ، وحديث سلمان ظاهر فيما ذكرت مع أنه يمكن أن لا يكون ذلك صادرا عن بعثته إليهم كما تقدم ، وقولك : وقد قاتلت الملائكة الكفار فيه أيضا ما تقدم عن عدم الملازمة مع أنها لم تقاتل إلا في بدر خاصة ، وقولك : وتحضر صلاة الجمعة إنما حضرت لكتابة الحاضرين على طبقات مجيئهم وذلك من التكليفات الكونية التي هي وظيفة الملائكة لا الشرعية التي بعثت بها الرسل ، هذا آخر الجواب الجدلي ، وأما الجواب التحقيقي فاعلم أن العلماء اختلفوا في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملائكة على قولين : أحدهما أنه لم يكن مبعوثا إليهم ، وبهذا جزم الحليمي والبيهقي كلاهما من أئمة أصحابنا ، ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب وهو من أئمة الحنفية ، ونقل البرهان النسفي والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه ، وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح ، والشيخ جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع ، وتبعتهما في كتابي شرح التقريب في الحديث ، وشرح الكوكب الساطع في الأصول ، والقول الثاني أنه كان مبعوثا إليهم وهذا القول رجحته في كتاب الخصائص ، وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الأنبياء والأمم السابقة ، وأن قوله : " بعثت إلى الناس كافة " شامل لهم من لدن آدم إلى قيام الساعة ، ورجحه أيضا البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات ، واستدل بشهادة الضب له بالرسالة وشهادة الحجر والشجر له ، وأزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية