الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حكم الرقى وتعاطي الأدوية

واتخاذ الوقاية التي يجعلها الإنسان تقاة بينه وبين ما يعرض له من المصائب .

وعن أبي خرامة - بكسر الخاء المعجمة - عن أبيه يعمر ، قال : قلت : يا رسول الله! أرأيت رقى نسترقيه - بضم الراء وفتح القاف - جمع رقية - بالضم والسكون - ، وهي ما يقرأ لطلب الشفاء . والاسترقاء : طلب الرقية .

قال في الترجمة : حكمها إن كانت بالقرآن والأدعية المأثورة : أنها تجوز ، وإلا فتحرم ، «ودواء نتداوى به في الأمراض والأسقام» والعلل «وتقاة نتقيها» ; كالدرع والمجن ومثلهما . قال في «المرقاة» : تقاة : اسم ما يلتجئ به الناس من خوف الأعداء; كالترس «هل ترد من قدر الله شيئا ؟» ، قال : «هي من قدر الله» يعني : أن الله كما قدر الداء ، قدر زواله أيضا بالدواء ، فإن شاء وقدر أن يشفى بها ويوقى ، يسره ، وإن لم يقدر ولم يشأ ، لم يكن .

فالتقدير لا ينافي الأسباب والشرائط ، بل هي داخلة فيه ، وهو شامل لها ، [ ص: 192 ] محيط بها ، لا يخرج شيء من إحاطته . رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه .

والحديث يدل على جواز الرقى ، والدواء ، والتقاة ، وأنها يحل بها الالتجاء إذا كانت من الكتاب ، أو السنة ، أو الدعاء المأثور ، أو باللسان العربي المفهوم معناه ، لا باللسان العجمي ، ولا بما لا يفهم مبناه ولا معناه; فإن فيه خوف الشرك والكفر .

وعن علي - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار» ، وعين موضعه من جهنم ، «ومقعده من الجنة» ، وموضعه منها يعني : أيهم ناري ، وأيهم جناني ، «قالوا : يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا ، وندع العمل ؟ قال : اعملوا ، فكل ميسر لما خلق . أما من كان من أهل السعادة ، فييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة ، فييسر لعمل الشقاوة» يعني : ليس وجود سابقة القضاء والقدر باعثا على ترك العمل; لأن الله أمر ونهى بحق الربوبية ، وألزم العباد امتثالهما بحق العبودية ، وجعل العمل علامة للسعادة والشقاوة ، وهو داخل في حد القضاء والقدر .

وكل من قدر له أن يعمل ، فإنه يعمل ، ومن قدر له ألا يعمل ، فإنه لا يعمل . والثواب والعقاب تصرف بفعله في ملكه .

وعلى كل تقدير ، فقولكم : إنه إذا ثبت القضاء والقدر ، ففيم العمل ؟ ليس كما ينبغي ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم تأييدا وإثباتا لما قال ، هذه الآية : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى [الليل : 5- 6]; أي : من بذل حقوق المال ، وأتى بالطاعة مطلقا ، وخاف الله في السر والعلن ، وصدق بالكلمة التي هي أحسن الكلمات; أي : كلمة التوحيد ، أو بالملة التي هي أحسن الملل; أي : ملة الإسلام ، «الآية» ; أي : فسنيسره لليسرى [الليل : 7]; أي : للأعمال المؤدية المفضية إلى اليسر ، وهو دخول الجنة .

وأما من بخل ; أي : بالمال ، أو بأداء ما أمر به ، واستغنى [الليل : 8]; [ ص: 193 ] أي : بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى ، ولم يتق الله ، وكذب بكلمة التوحيد ، أو ملة الإسلام ، فسنيسره للعسرى : [الليل : 9]; أي : للأعمال المؤدية إلى العسر ، وهو الدخول في النار . متفق عليه .

اللهم إني أسألك اليسرى ، وأعوذ بك من العسرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية