الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصح بيع الكلب ) ولو عقورا ( والفهد ) والفيل والقرد ( والسباع ) بسائر أنواعها [ ص: 227 ] حتى الهرة وكذا الطيور ( علمت أو لا ) سوى الخنزير وهو المختار للانتفاع بها وبجلدها كما قدمناه في البيع الفاسد والتمسخر بالقرد ، وإن كان حراما لا يمنع بيعه بل يكرهه كبيع العصير شرح وهبانية .

[ فرع ] لا ينبغي اتخاذ كلب إلا لخوف لص أو غيره فلا بأس به ومثله سائر السباع عيني وجاز اقتناؤه لصيد وحراسة ماشية وزرع إجماعا ( كما صح بيع خرء حمام كثير و ) صح ( هبته ) قنية ( و ) أدنى ( القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس ولو كانت كسرة خبز لا يجوز ) قنية ( كما لا يجوز ) بيع هوام الأرض كالخنافس والقنافذ والعقارب والوزغ والضب ( و ) لا هوام ( البحر كالسرطان ) وكل ما فيه سوى سمك وجوز في القنية بيع ماله ثمن كسقنقور وجلود خز وجمل الماء لو حيا وأطلق الحسن الجواز وجوز أبو الليث بيع الحيات إن انتفع بها في الأدوية وإلا لا

[ ص: 228 ] ورده في البدائع بأنه غير سديد لأن المحرم شرعا لا يجوز الانتفاع به للتداوي كالخمر فلا تقع الحاجة إلى شرع البيع

التالي السابق


( قوله ولو عقورا ) فيه كلام يأتي ( قوله والفيل ) هذا بالإجماع لأنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق فكان مالا بحر عن البدائع أي ينتفع به للقتال والحمل وينتفع بعظمه ( قوله والقرد ) فيه قولان كما يأتي ( قوله والسباع ) وكذا يجوز بيع لحمها بعد التذكية لإطعام كلب أو سنور ، بخلاف لحم الخنزير لأنه لا يجوز إطعامه محيط [ ص: 227 ] لكن على أصح التصحيحين من أن الذكاة الشرعية لا تطهر إلا الجلد دون اللحم لا يصح بيع اللحم شرنبلالية ( قوله حتى الهرة ) لأنها تصطاد الفأر والهوام المؤذية فهي منتفع بها فتح ( قوله وكذا الطيور ) أي الجوارح درر ( قوله علمت أو لا ) تصريح بما فهم من عبارة محمد في الأصل ، وبه صرح في الهداية أيضا لكن في البحر عن المبسوط ، أنه لا يجوز بيع الكلب العقور الذي لا يقبل التعليم في الصحيح من المذهب ، وهكذا نقول في الأسد إن كان يقبل التعليم ، ويصطاد به يجوز بيعه ، وإلا فلا والفهد والبازي يقبلان التعليم ، فيجوز بيعهما على كل حال ا هـ . قال في الفتح : فعلى هذا لا يجوز بيع النمر بحال لأنه لشراسته لا يقبل التعليم ، وفي بيع القرد روايتان ا هـ وجه رواية الجواز وهو الأصح زيلعي أنه يمكن الانتفاع بجلده ، وهو وجه ما في المتن أيضا وصحح في البدائع عدم الجواز لأنه لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للتلهي به وهو حرام ا هـ بحر . قلت : وظاهره أنه لولا قصد التلهي به لجاز بيعه ، ثم إنه يرد عليه ما ذكره الشارح عن شرح الوهبانية من أن هذا لا يقتضي عدم صحة البيع بل كراهته .

والحاصل : أن المتون على جواز بيع ما سوى الخنزير مطلقا وصحح السرخسي التقييد بالمعلم منها ( قوله لا ينبغي اتخاذ كلب إلخ ) الأحسن عبارة الفتح ، وأما اقتناؤه للصيد وحراسة الماشية والبيوت والزرع ، فيجوز بالإجماع لكن لا ينبغي أن يتخذه في داره إلا إن خاف لصوصا أو أعداء للحديث الصحيح " { من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان } " ( قوله خرء حمام كثير ) لعل المراد به ما تبلغ قيمته فلسا فإنه أقل قيمة المبيع ط ، ومثل الحمام بقية الطيور المأكولة لطهارة خرئها ، وتقدم في البيع الفاسد جواز بيع سرقين وبعر ، ولو خالصين والانتفاع به والوقود به وبيع رجيع الآدمي لو مخلوطا بتراب ( قوله لا يجوز ) أي إذا لم تبلغ قيمتها فلسا ( قوله والقنافذ ) جمع قنفذ بضم الفاء وتفتح مصباح ، وذكره في القاموس في الدال المهملة والذال المعجمة ( قوله والوزغ ) هو سام أبرص ( قوله وكل ما فيه ) أي في البحر ( قوله سوى سمك ) عبارة البحر عن البدائع إلا السمك وما جاز الانتفاع بجلده أو عظمه ا هـ ( قوله بيع ما له ثمن ) في الشرنبلالية عن المحيط يجوز بيع العلق في الصحيح لتمول الناس ، واحتياجهم إليه لمعالجة مص الدم من الجسد ا هـ . قلت : وعليه فيجوز بيع دودة القرمز ، لأنها من أعز الأموال وأنفسها في زماننا وينتفع بها خلافا لمن أفتى بأنه لا يجوز بيعها ولا يضمن متلفها كما حررناه في البيع الفاسد ( قوله كسقنقور ) حيوان مستقل وقيل بيض التماسيح إذا فسد ويكبر طول ذراعين على أنحاء السمكة وتمامه في تذكرة الشيخ داود ( قوله وجلود خز ) الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها مصباح ( قوله لو حيا ) عبارة البحر عن القنية قيل يجوز حيا لا ميتا إلخ . [ ص: 228 ]

مطلب في التداوي بالمحرم ( قوله ورده في البدائع إلخ ) قدمنا في البيع الفاسد عند قوله ولبن امرأة أن صاحب الخانية والنهاية اختارا جوازه إن علم أن فيه شفاء ولم يجد دواء غيره قال في النهاية : وفي التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاءه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه ، وإن قال الطبيب يتعجل شفاؤك به فيه وجهان ، وهل يجوز شرب العليل من الخمر للتداوي فيه وجهان ، وكذا ذكره الإمام التمرتاشي وكذا في الذخيرة وما قيل إن الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه وأن الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء أما إن علم وليس له دواء غيره يجوز ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم يحتمل أن يكون قال ذلك في داء عرف له دواء غير المحرم لأنه حينئذ يستغني بالحلال عن الحرام ويجوز أن يقال تنكشف الحرمة عند الحاجة فلا يكون الشفاء بالحرام وإنما يكون بالحلال ا هـ نور العين من آخر الفصل التاسع والأربعين




الخدمات العلمية