الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 206 ] باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى قال ( وإذا عجز المكاتب عن نجم نظر الحاكم في حاله ، فإن كان له دين يقبضه أو مال يقدم عليه لم يعجل بتعجيزه وانتظر عليه اليومين أو الثلاثة ) نظرا للجانبين ، والثلاث هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمديون للقضاء فلا يزاد عليه ( فإن لم يكن له وجه وطلب المولى تعجيزه عجزه وفسخ الكتابة ، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : لا يعجزه حتى يتوالى عليه نجمان )

لقول علي رضي الله عنه : إذا توالى على المكاتب نجمان رد في الرق علقه بهذا الشرط ، ولأنه عقد إرقاق حتى كان أحسنه مؤجله وحالة الوجوب بعد حلول نجم فلا بد من إمهال مدة استيسارا ، وأولى المدد ما توافق عليه العاقدان [ ص: 207 ] ولهما أن سبب الفسخ قد تحقق وهو العجز ، لأن من عجز عن أداء نجم واحد يكون أعجز عن أداء نجمين ، وهذا لأن مقصود المولى الوصول إلى المال عند حلول نجم وقد فات فيفسخ إذا لم يكن راضيا بدونه ، بخلاف اليومين والثلاثة لأنه لا بد منها لإمكان الأداء فلم يكن تأخيرا ، والآثار متعارضة ، فإن المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن مكاتبة له عجزت عن أداء نجم واحد فردها فسقط الاحتجاج بها .

[ ص: 206 ]

التالي السابق


[ ص: 206 ] ( باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى )

تأخير باب أحكام هذه الأشياء ظاهر التناسب لأن هذه الأشياء متأخرة عن عقد الكتابة ، فكذا بيان أحكامها ( قوله والثلاث هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمديون للقضاء ) قال صاحب العناية : والمديون بالجر عطف على كإمهال .

أقول : هذا بحسب ظاهره غير صحيح قطعا ، إذ لا شك أن المديون معطوف على الخصم والمعنى وكإمهال المديون لأجل [ ص: 207 ] القضاء ( قوله ولهما أن سبب الفسخ قد تحقق وهو العجز ، لأن من عجز عن أداء نجم واحد يكون أعجز عن أداء نجمين ) أقول : فيه شيء ، وهو أن دليلهما هذا لا يتمشى في صورة إن عجز عن أداء آخر النجوم التي توافقا عليه بعد أن أدى سائر النجوم بأسرها ، إذ لا يلزمه حينئذ سوى أداء نجم واحد حتى يجتمع عليه نجمان عند إمهاله مدة نجم فيكون أعجز عن أدائهما بل يكون عليه حينئذ أن يؤدي نجما واحدا في ضعف مدته ، ولا ريب أنه أيسر له كما قال أبو يوسف رحمه الله .

وقال بعض الفضلاء : فيه تأمل ، فإنه إذا كان له دين يقبضه أو مال يقدم عليه لا نسلم هذه الشرطية انتهى .

أقول : إن قوله هذه الشرطية ليس بسديد ، إذ الظاهر أن من في قوله من عجز عن أداء نجم واحد موصولة ، وأن قوله يكون أعجز عن أداء نجمين خبر أن في قوله لأن فلا شرط ولا جزاء في الكلام حتى تكون الجملة شرطية ( قوله والآثار متعارضة ، فإن المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن مكاتبة له عجزت عن أداء نجم واحد فردها فسقط الاحتجاج بها ) هذا جواب عن استدلال أبي يوسف بأثر علي [ ص: 208 ] رضي الله عنه بأن الأثر المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما على ما ذكر في الكتاب يعارضه فسقط الاحتجاج بها : أي بالآثار للتعارض ، لأن الآثار إذا تعارضت وجهل التاريخ سقطت فيصار إلى ما بعدها من الحجة فيبقى ما قالاه من الدليل بأن سبب الفسخ قد تحقق إلخ سالما عن المعارض فيثبت الفسخ به ، كذا في عامة الشروح .

أقول : هنا إشكال ، لأن ما قالاه من الدليل المعقول راجع إلى القياس على مقتضى ما صرحوا به في كتب الأصول عند بيان انحصار الأدلة الشرعية في الأربعة من أن الاستدلال بالمعقول راجع إلى القياس ، وقد صرح به صاحب غاية البيان هاهنا أيضا حيث قال : إن الآثار متعارضة والتاريخ مجهول فيصار إلى ما بعدها من الدليل وهو القياس انتهى .

وقد تقرر في الأصول أيضا أن القياس لا يجري في المقادير ، وما نحن فيه من قبيل المقادير كما أفصح عنه كثير من الشراح حيث قالوا : وما رويناه من حديث ابن عمر كالمروي عن النبي عليه الصلاة والسلام ، لأن ما يقوله الصحابي من المقادير يحمل على السماع لأنه لا يدركه القياس انتهى .

فإذا تعارضت الآثار فيما نحن فيه وتساقطت كما قالوا ولم يصح القياس في المقادير كما تقرر في الأصول والفروع فكيف ينتهض ما قالاه من الدليل المعقول الذي مرجعه إلى القياس حجة لهما في إثبات ما ذهبا إليه في جواب هذه المسألة فليتأمل




الخدمات العلمية