كتاب الصلاة في رمضان باب الترغيب في الصلاة في رمضان
حدثني يحيى عن مالك عن عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير صلى الله عليه وسلم عائشة زوج النبي وذلك في رمضان قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى الليلة القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال
كتاب الصلاة في رمضان
التالي
السابق
[ ص: 411 ] 6 - كتاب الصلاة في رمضان
1 - باب الترغيب في الصلاة في رمضان
- 250 246 ( مالك عن ابن شهاب ) الزهري ( عن عروة بن الزبير ) بن العوام ( عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ) صلاة الليل ( في المسجد ذات ليلة ) من ليالي رمضان ، وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عمرة عن عائشة عند البخاري : " أنه صلى في حجرته " وليس المراد بها بيته بل الحصير التي كانت يحتجر بها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلي فيه ويجلس عليه ، وقد جاء ذلك مبينا من طريق سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة : " " رواه كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه البخاري في اللباس .
ولأحمد من رواية محمد بن إبراهيم عن عائشة : " فخرج " الحديث . فأمرني أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت
قال النووي : معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه .
وتعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد ، ولو كان كذلك لزم أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس به بقوله : " " ثم أجاب بأنه صح أنه كان في المسجد فهو إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه ، أو أن سبب كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا والنبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته . صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
( فصلى بصلاته ناس ثم صلى الليلة القابلة ) وللبخاري من هذا الطريق من القابلة ولبعض رواته من القابل بالتذكير أي الوقت ، ولأحمد من رواية معمر عن ابن شهاب من الليلة المقبلة .
( فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ) بالشك في رواية مالك ، ولمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب : [ ص: 412 ] " " فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ولأحمد من رواية معمر عن الزهري : " " وله من طريق امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله سفيان بن حسين عنه : " " ( فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في رواية فلما كانت الرابعة غص المسجد بأهله أحمد عن ابن جريج عن ابن شهاب : " " ، وفي رواية سفيان حتى سمعت ناسا منهم يقولون الصلاة بن حسين : " فقالوا : ما شأنه " وفي حديث زيد بن ثابت : " " وفي لفظ عن ففقدوا صوته وظنوا أنه قد تأخر فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم زيد : " " رواهما فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب البخاري .
قال ابن عبد البر : تفسر هذه الليالي المذكورات في حديث عائشة بما رواه النعمان بن بشير قال : " " أخرجه قمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قمنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا ألا ندرك الفلاح وكان يسمون به السحور النسائي .
وأما ففي حديث ضعيف عن عدد ما صلى ابن عباس : " " أخرجه أنه صلى عشرين ركعة والوتر ابن أبي شيبة .
وروى ابن حبان عن جابر : " " وهذا أصح . أنه صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر
وقال الحافظ : لم أر في شيء من طرقه أي حديث عائشة بيان عدد صلاته في تلك الليالي ، لكن روى ابن خزيمة وابن حبان عن جابر : " " الحديث ، فإن كانت القصة واحدة احتمل أن صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا : يا رسول الله جابرا ممن جاء في الليلة الثانية فلذا اقتصر على وصف ليلتين ، وما في مسلم عن أنس : " " الحديث ، فالظاهر أن هذا كان في قصة أخرى . كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل فقام حتى كنا رهطا فلما أحس بنا تجوز ثم دخل رجل
( ) من حرصكم على الصلاة معي ، وفي رواية فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم للبخاري : " " وفي فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم مسلم : " شأنكم " .
( ) صلاة الليل فتعجزوا عنها كما في رواية ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم يونس عند مسلم ونحوه في رواية عقيل عند البخاري أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها ، وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله ، وقد استشكلت هذه الخشية مع قوله سبحانه : فإذا أمن التبديل كيف يخاف من الزيادة ؟ وأجاب هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به [ ص: 413 ] فيها عند المواظبة ، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب بطريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس ، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فيجب عليه ولا يلزم زيادة فرض في أصل الشرع ، وباحتمال أن الله لما فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر أن يثبت ذلك فرضا كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم ثم عاب الله التقصير فيها بقوله : فما رعوها حق رعايتها ( سورة الحديد : الآية 27 ) فخشي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل شفقة عليهم انتهى . وتبعه جماعة من الشراح وهو مبني على وجوب قيام الليل ووجوب الاقتداء بأفعاله في كل شيء وفي كل من الأمرين نزاع .
وجواب الكرماني بأن حديث الإسراء يدل على أن المراد الأمن من نقص شيء ولم يتعرض للزيادة ، فيه نظر ; لأن ذكر المضعف بقوله : إشارة إلى عدم الزيادة أيضا لأن التضعيف لا ينقص عن العشر ، ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان قابل للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض ، فيه نظر ؛ لأن قوله " هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي " خبر ولا يدخله النسخ على الراجح وليس كقوله مثلا : صوموا الدهر أبدا فإنه يجوز فيه النسخ .
وقال الباجي : قال القاضي أبو بكر يحتمل أن يكون أوحى الله إليه أنه إن واصل الصلاة معهم فرضها عليهم ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن ذلك سيفرض عليهم لما جرت عادته بأن ما داوم عليه على وجه الاجتماع فرض على أمته ، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليها وجوبها ، وإلى الثالث نحا القرطبي فقال : قوله أن يفرض عليكم أي تظنونه فرضا فيجب من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو حرمته فيجب عليه العمل به ، وقيل : كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - إذا واظب على شيء من الأعمال واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم اهـ .
ولا يخفى بعده فقد واظب على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض .
وقال ابن بطال : يحتمل أن هذا القول صدر منه - صلى الله عليه وسلم - لما فخشي إن خرج إليهم والتزموه معه أن يسوي بينهم وبينه في حكمه لأن أصل الشرع المساواة بين النبي وأمته في العبادة . كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته
ويحتمل أنه خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي تاركها بترك اتباعه - صلى الله عليه وسلم - .
قال الحافظ : وحديث : لا يبدل القول لدي يدفع في صدور هذه الأجوبة كلها ، وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة سواها : أحدها أنه خاف جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل ويومئ إليه قوله في حديث هن خمس وهن خمسون زيد بن ثابت : " " [ ص: 414 ] فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه ، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم . خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم
ثانيها : أنه خاف افتراضه كفاية لا عينا فلا يكون زائدا على الخمس بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها .
ثالثها : أنه خاف فرض قيام رمضان خاصة كما قال .
( وذلك في رمضان ) وفي رواية سفيان بن حسين : " " فعلى هذا يرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس . خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر
قال : وأقوى هذه الثلاثة في نظري الأول ، وفي الحديث ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة لأن الخشية المذكورة أمنت بعده ولذا جمعهم عمر كما في الحديث التالي ، وفيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره وحكمه ، وشفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم وترك بعض المصالح لخوف المفسدة وتقديم أهم المصلحتين وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة ، وفيه نظر لأن نفي النية لم ينقل ولم يطلع عليه بالظن وترك الأذان والإقامة للنوافل إذا صليت جماعة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .
1 - باب الترغيب في الصلاة في رمضان
- 250 246 ( مالك عن ابن شهاب ) الزهري ( عن عروة بن الزبير ) بن العوام ( عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ) صلاة الليل ( في المسجد ذات ليلة ) من ليالي رمضان ، وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عمرة عن عائشة عند البخاري : " أنه صلى في حجرته " وليس المراد بها بيته بل الحصير التي كانت يحتجر بها بالليل في المسجد فيجعلها على باب بيت عائشة فيصلي فيه ويجلس عليه ، وقد جاء ذلك مبينا من طريق سعيد المقبري عن أبي سلمة عن عائشة : " " رواه كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه البخاري في اللباس .
ولأحمد من رواية محمد بن إبراهيم عن عائشة : " فخرج " الحديث . فأمرني أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت
قال النووي : معنى يحتجر يحوط موضعا من المسجد بحصير يستره ليصلي فيه ولا يمر بين يديه مار ليتوفر خشوعه ويتفرغ قلبه .
وتعقبه الكرماني بأن لفظ الحديث لا يدل على أن احتجاره كان في المسجد ، ولو كان كذلك لزم أن يكون تاركا للأفضل الذي أمر الناس به بقوله : " " ثم أجاب بأنه صح أنه كان في المسجد فهو إذا احتجر صار كأنه بيت بخصوصه ، أو أن سبب كون صلاة التطوع في البيت أفضل عدم شوبه بالرياء غالبا والنبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن الرياء في بيته وفي غير بيته . صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة
( فصلى بصلاته ناس ثم صلى الليلة القابلة ) وللبخاري من هذا الطريق من القابلة ولبعض رواته من القابل بالتذكير أي الوقت ، ولأحمد من رواية معمر عن ابن شهاب من الليلة المقبلة .
( فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ) بالشك في رواية مالك ، ولمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب : [ ص: 412 ] " " فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلوا معه فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ولأحمد من رواية معمر عن الزهري : " " وله من طريق امتلأ المسجد حتى اغتص بأهله سفيان بن حسين عنه : " " ( فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في رواية فلما كانت الرابعة غص المسجد بأهله أحمد عن ابن جريج عن ابن شهاب : " " ، وفي رواية سفيان حتى سمعت ناسا منهم يقولون الصلاة بن حسين : " فقالوا : ما شأنه " وفي حديث زيد بن ثابت : " " وفي لفظ عن ففقدوا صوته وظنوا أنه قد تأخر فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم زيد : " " رواهما فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب البخاري .
قال ابن عبد البر : تفسر هذه الليالي المذكورات في حديث عائشة بما رواه النعمان بن بشير قال : " " أخرجه قمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قمنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا ألا ندرك الفلاح وكان يسمون به السحور النسائي .
وأما ففي حديث ضعيف عن عدد ما صلى ابن عباس : " " أخرجه أنه صلى عشرين ركعة والوتر ابن أبي شيبة .
وروى ابن حبان عن جابر : " " وهذا أصح . أنه صلى بهم ثمان ركعات ثم أوتر
وقال الحافظ : لم أر في شيء من طرقه أي حديث عائشة بيان عدد صلاته في تلك الليالي ، لكن روى ابن خزيمة وابن حبان عن جابر : " " الحديث ، فإن كانت القصة واحدة احتمل أن صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ثمان ركعات ثم أوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا : يا رسول الله جابرا ممن جاء في الليلة الثانية فلذا اقتصر على وصف ليلتين ، وما في مسلم عن أنس : " " الحديث ، فالظاهر أن هذا كان في قصة أخرى . كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل فقام حتى كنا رهطا فلما أحس بنا تجوز ثم دخل رجل
( ) من حرصكم على الصلاة معي ، وفي رواية فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم للبخاري : " " وفي فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم مسلم : " شأنكم " .
( ) صلاة الليل فتعجزوا عنها كما في رواية ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم يونس عند مسلم ونحوه في رواية عقيل عند البخاري أي تشق عليكم فتتركوها مع القدرة عليها ، وليس المراد العجز الكلي لأنه يسقط التكليف من أصله ، وقد استشكلت هذه الخشية مع قوله سبحانه : فإذا أمن التبديل كيف يخاف من الزيادة ؟ وأجاب هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي الخطابي بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به [ ص: 413 ] فيها عند المواظبة ، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل ذلك في الواجب بطريق الأمر بالاقتداء به لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس ، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فيجب عليه ولا يلزم زيادة فرض في أصل الشرع ، وباحتمال أن الله لما فرض الصلاة خمسين ثم حط معظمها بشفاعة نبيه فإذا عادت الأمة فيما استوهب لها والتزمت ما استعفى لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر أن يثبت ذلك فرضا كما التزم ناس الرهبانية من قبل أنفسهم ثم عاب الله التقصير فيها بقوله : فما رعوها حق رعايتها ( سورة الحديد : الآية 27 ) فخشي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل شفقة عليهم انتهى . وتبعه جماعة من الشراح وهو مبني على وجوب قيام الليل ووجوب الاقتداء بأفعاله في كل شيء وفي كل من الأمرين نزاع .
وجواب الكرماني بأن حديث الإسراء يدل على أن المراد الأمن من نقص شيء ولم يتعرض للزيادة ، فيه نظر ; لأن ذكر المضعف بقوله : إشارة إلى عدم الزيادة أيضا لأن التضعيف لا ينقص عن العشر ، ودفع بعضهم في أصل السؤال بأن الزمان قابل للنسخ فلا مانع من خشية الافتراض ، فيه نظر ؛ لأن قوله " هن خمس وهن خمسون ما يبدل القول لدي " خبر ولا يدخله النسخ على الراجح وليس كقوله مثلا : صوموا الدهر أبدا فإنه يجوز فيه النسخ .
وقال الباجي : قال القاضي أبو بكر يحتمل أن يكون أوحى الله إليه أنه إن واصل الصلاة معهم فرضها عليهم ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ظن أن ذلك سيفرض عليهم لما جرت عادته بأن ما داوم عليه على وجه الاجتماع فرض على أمته ، ويحتمل أن يريد بذلك أنه خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليها وجوبها ، وإلى الثالث نحا القرطبي فقال : قوله أن يفرض عليكم أي تظنونه فرضا فيجب من ظن ذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو حرمته فيجب عليه العمل به ، وقيل : كان حكمه - صلى الله عليه وسلم - إذا واظب على شيء من الأعمال واقتدى الناس به فيه أنه يفرض عليهم اهـ .
ولا يخفى بعده فقد واظب على رواتب الفرائض وتابعه أصحابه ولم تفرض .
وقال ابن بطال : يحتمل أن هذا القول صدر منه - صلى الله عليه وسلم - لما فخشي إن خرج إليهم والتزموه معه أن يسوي بينهم وبينه في حكمه لأن أصل الشرع المساواة بين النبي وأمته في العبادة . كان قيام الليل فرضا عليه دون أمته
ويحتمل أنه خشي من مواظبتهم عليها أن يضعفوا عنها فيعصي تاركها بترك اتباعه - صلى الله عليه وسلم - .
قال الحافظ : وحديث : لا يبدل القول لدي يدفع في صدور هذه الأجوبة كلها ، وقد فتح الباري بثلاثة أجوبة سواها : أحدها أنه خاف جعل التهجد في المسجد جماعة شرطا في صحة التنفل بالليل ويومئ إليه قوله في حديث هن خمس وهن خمسون زيد بن ثابت : " " [ ص: 414 ] فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقا عليهم من اشتراطه ، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم . خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم
ثانيها : أنه خاف افتراضه كفاية لا عينا فلا يكون زائدا على الخمس بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد ونحوها .
ثالثها : أنه خاف فرض قيام رمضان خاصة كما قال .
( وذلك في رمضان ) وفي رواية سفيان بن حسين : " " فعلى هذا يرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة فلا يكون ذلك قدرا زائدا على الخمس . خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر
قال : وأقوى هذه الثلاثة في نظري الأول ، وفي الحديث ندب قيام الليل ولا سيما في رمضان جماعة لأن الخشية المذكورة أمنت بعده ولذا جمعهم عمر كما في الحديث التالي ، وفيه أن الكبير إذا فعل شيئا خلاف ما اعتاده أتباعه أن يذكر لهم عذره وحكمه ، وشفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم وترك بعض المصالح لخوف المفسدة وتقديم أهم المصلحتين وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة ، وفيه نظر لأن نفي النية لم ينقل ولم يطلع عليه بالظن وترك الأذان والإقامة للنوافل إذا صليت جماعة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .