الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طهر

                                                          طهر : الطهر : نقيض الحيض . والطهر : نقيض النجاسة ، والجمع أطهار . وقد طهر يطهر وطهر طهرا وطهارة ، المصدران عن سيبويه ، وفي الصحاح : طهر وطهر ، بالضم ، طهارة فيهما ، وطهرته أنا تطهيرا وتطهرت بالماء ، ورجل طاهر وطهر ; عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          أضعت المال للأحساب حتى خرجت مبرأ طهر الثياب



                                                          قال ابن جني : جاء طاهر على طهر كما جاء شاعر على شعر ، ثم استغنوا بفاعل عن فعيل ، وهو في أنفسهم وعلى بال من تصورهم ، يدلك على ذلك تكسيرهم شاعرا على شعراء ، لما كان فاعل هنا واقعا موقع فعيل ; كسر تكسيره ، ليكون ذلك أمارة ودليلا على إرادته ، وأنه مغن عنه وبدل منه ; قال ابن سيده : قال أبو الحسن : ليس كما ذكر ؛ لأن طهيرا قد جاء في شعر أبي ذؤيب ; قال :


                                                          فإن بني لحيان إما ذكرتهم     نثاهم ، إذا أخنى اللئام طهير

                                                          قال : كذا رواه الأصمعي بالطاء ويروى " ظهير " بالظاء المعجمة ، وسيذكر في موضعه ، وجمع الطاهر أطهار وطهارى ، الأخيرة نادرة ، وثياب طهارى على غير قياس ، كأنهم جمعوا طهران ، قال امرؤ القيس :

                                                          [ ص: 152 ]

                                                          ثياب بني عوف طهارى نقية     وأوجههم ، عند المشاهد ، غران



                                                          وجمع الطهر طهرون ولا يكسر . والطهر : نقيض الحيض ، والمرأة طاهر من الحيض وطاهرة من النجاسة ومن العيوب ، ورجل طاهر ورجال طاهرون ونساء طاهرات . ابن سيده : طهرت المرأة وطهرت وطهرت اغتسلت من الحيض وغيره ، والفتح أكثر عند ثعلب ، واسم أيام طهرها الأطهار . . . وطهرت المرأة ، وهي طاهر : انقطع عنها الدم ورأت الطهر ، فإذا اغتسلت قيل : تطهرت واطهرت ، قال الله عز وجل : وإن كنتم جنبا فاطهروا ، . وروى الأزهري عن أبي العباس أنه قال : في قوله عز وجل : ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، وقرئ : حتى يطهرن ، قال أبو العباس : والقراءة يطهرن ; لأن من قرأ يطهرن ، أراد انقطاع الدم ; فإذا تطهرن اغتسلن ; فصير معناهما مختلفا ، والوجه أن تكون الكلمتان بمعنى واحد ، يريد بها جميعا الغسل ، ولا يحل المسيس إلا بالاغتسال ، ويصدق ذلك قراءة ابن مسعود : حتى يتطهرن ; قال ابن الأعرابي : طهرت المرأة هو الكلام ، قال : ويجوز طهرت ; فإذا تطهرن اغتسلن ، وقد تطهرت المرأة واطهرت ; فإذا انقطع عنها الدم قيل : طهرت تطهر ، فهي طاهر ، بلا هاء ، وذلك إذا طهرت من المحيض . وأما قوله تعالى : فيه رجال يحبون أن يتطهروا ، فإن معناه الاستنجاء بالماء ، نزلت في الأنصار ، وكانوا إذا أحدثوا أتبعوا الحجارة بالماء ; فأثنى الله تعالى عليهم بذلك . وقوله عز وجل : هن أطهر لكم ، أي أحل لكم . وقوله تعالى : ولهم فيها أزواج مطهرة ، يعني من الحيض والبول والغائط ; قال أبو إسحاق : معناه أنهن لا يحتجن إلى ما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا بعد الأكل والشرب ، ولا يحضن ولا يحتجن إلى ما يتطهر به ، وهن مع ذلك طاهرات طهارة الأخلاق والعفة ، فمطهرة تجمع الطهارة كلها ; لأن مطهرة أبلغ في الكلام من طاهرة . وقوله عز وجل : أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين ، قال أبو إسحاق : معناه طهراه من تعليق الأصنام عليه ، الأزهري في قوله تعالى : أن طهرا بيتي ، يعني من المعاصي والأفعال المحرمة . وقوله تعالى : يتلو صحفا مطهرة ، من الأدناس والباطل . واستعمل اللحياني الطهر في الشاة ، فقال : إن الشاة تقذى عشرا ثم تطهر ; قال ابن سيده : وهذا طريف جدا ، لا أدري عن العرب حكاه أم هو أقدم عليه ، وتطهرت المرأة : اغتسلت . وطهره بالماء : غسله واسم الماء الطهور . وكل ماء نظيف : طهور ، وماء طهور ; أي يتطهر به ، وكل طهور طاهر ، وليس كل طاهر طهورا ، قال الأزهري : وكل ما قيل في قوله عز وجل : وأنزلنا من السماء ماء طهورا ، فإن الطهور في اللغة هو الطاهر المطهر ; لأنه لا يكون طهورا إلا وهو يتطهر به ، كالوضوء هو الماء الذي يتوضأ به ، والنشوق ما يستنشق به ، والفطور ما يفطر عليه من شراب أو طعام . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ماء البحر ، فقال : هو الطهور ، ماؤه الحل ميتته ; أي المطهر ، أراد أنه طاهر يطهر . وقال الشافعي - رضي الله عنه - : كل ماء خلقه الله نازلا من السماء ، أو نابعا من عين في الأرض ، أو بحر لا صنعة فيه لآدمي غير الاستقاء ، ولم يغير لونه شيء يخالطه ; ولم يتغير طعمه منه فهو طهور . كما قال الله عز وجل ، وما عدا ذلك من ماء ورد أو ورق شجر أو ماء يسيل من كرم فإنه وإن كان طاهرا فليس بطهور . وفي الحديث : لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، قال ابن الأثير : الطهور ، بالضم ، التطهر ، وبالفتح : الماء الذي يتطهر به كالوضوء والوضوء والسحور والسحور ، وقال سيبويه : الطهور ، بالفتح ، يقع على الماء والمصدر معا ، قال : فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها ، والمراد بهما التطهر . والماء الطهور ، بالفتح ، هو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس ; لأن فعولا من أبنية المبالغة ، فكأنه تناهى في الطهارة . والماء الطاهر ، كالمستعمل في الوضوء والغسل . والمطهرة : الإناء الذي يتوضأ به ، ويتطهر به . والمطهرة : الإداوة على التشبيه بذلك ، والجمع المطاهر ، قال الكميت يصف القطا :


                                                          يحملن قدام الجآجي     في أساق كالمطاهر



                                                          وكل إناء يتطهر منه مثل سطل أو ركوة ، فهو مطهرة . الجوهري : والمطهرة والمطهرة الإداوة ، والفتح أعلى . والمطهرة : البيت الذي يتطهر فيه . والطهارة ، اسم يقوم مقام التطهر بالماء : الاستنجاء والوضوء . والطهارة : فضل ما تطهرت به . والتطهر : التنزه والكف عن الإثم وما لا يجمل . ورجل طاهر الثياب ; أي منزه ، ومنه قول الله عز وجل في ذكر قوم لوط وقولهم في مؤمني قوم لوط : إنهم أناس يتطهرون ، أي يتنزهون عن إتيان الذكور ، وقيل : يتنزهون عن أدبار الرجال والنساء ، قاله قوم لوط تهكما . والتطهر : التنزه عما لا يحل ; وهم قوم يتطهرون ، أي يتنزهون من الأدناس . وفي الحديث : السواك مطهرة للفم . ورجل طهر الخلق وطاهره ، والأنثى طاهرة ، وإنه لطاهر الثياب ، أي ليس بذي دنس في الأخلاق . ويقال : فلان طاهر الثياب ، إذا لم يكن دنس الأخلاق ، قال امرؤ القيس :


                                                          ثياب بني عوف طهارى نقية

                                                          ، وقوله تعالى : وثيابك فطهر ، معناه وقلبك فطهر ، وعليه قول عنترة :


                                                          فشككت بالرمح الأصم ثيابه     ليس الكريم على القنا بمحرم

                                                          ، أي قلبه ، وقيل : معنى وثيابك فطهر ، أي نفسك ; وقيل : معناه لا تكن غادرا فتدنس ثيابك فإن الغادر دنس الثياب . قال ابن سيده : ويقال للغادر دنس الثياب ، وقيل : معناه وثيابك فقصر ، فإن تقصير الثياب طهر ; لأن الثوب إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن تصيبه نجاسة ، وقصره يبعده من النجاسة ، والتوبة التي تكون بإقامة الحد كالرجم وغيره : طهور للمذنب ; وقيل معنى قوله : وثيابك فطهر ، يقول : عملك فأصلح ; وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل : وثيابك فطهر ، يقول : لا تلبس ثيابك على معصية ولا على فجور وكفر ، وأنشد قول غيلان :


                                                          إني بحمد الله لا ثوب غادر [ ص: 153 ]     لبست ، ولا من خزية أتقنع



                                                          الليث : والتوبة التي تكون بإقامة الحدود نحو الرجم وغيره طهور للمذنب تطهره تطهيرا ، وقد طهره الحد . وقوله تعالى : لا يمسه إلا المطهرون ، يعني به الكتاب ; لا يمسه إلا المطهرون ، عنى به الملائكة ، وكله على المثل ، وقيل : لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا الملائكة . وقوله عز وجل : أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ، أي أن يهديهم . وأما قوله : طهره إذا أبعده ; فالهاء فيه بدل من الحاء في طحره ، كما قالوا : مدهه في معنى مدحه . وطهر فلان ، إذا أقام سنة ختانه ، وإنما سماه المسلمون تطهيرا ; لأن النصارى لما تركوا سنة الختان ; غمسوا أولادهم في ماء صبغ بصفرة يصفر لون المولود ، وقالوا : هذه طهرة أولادنا التي أمرنا بها ; فأنزل الله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، أي اتبعوا دين الله وفطرته وأمره لا صبغة النصارى ، فالختان هو التطهير لا ما أحدثه النصارى من صبغة الأولاد . وفي حديث أم سلمة : إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يطهره ما بعده ; قال ابن الأثير : هو خاص فيما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شيء ، فأما إذا كان رطبا فلا يطهر إلا بالغسل ، وقال مالك : هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا ، فأما النجاسة مثل البول ونحوه تصيب الثوب أو بعض الجسد ، فإن ذلك لا يطهره إلا الماء إجماعا ، قال ابن الأثير : وفي إسناد هذا الحديث مقال .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية