الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 368 ] باب أجل العنين والخصي غير المجبوب والخنثى ، من الجامع من كتاب قديم ، ومن كتاب التعريض بالخطبة

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن عمر رضي الله عنه أنه أجل العنين سنة ( قال ) : ولا أحفظ عمن لقيته خلافا في ذلك ، فإن جامع ، وإلا فرق بينهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : أما العنة : فهي العجز عن الوطء للين الذكر وعدم انتشاره ، فلا يقدر على إيلاجه فسمي من به العنة عنينا ، وفي تسميته بذلك تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه سمي عنينا : للين ذكره ، يعني عند إرادة الوطء وانعطافه ، مأخوذ من عنان الفرس للينه .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : أنه سمي عنينا : لأن ذكره يعن عند إرادة الوطء أن يعترض عن يمين الفرج ويساره فلا يلج ، مأخوذ من العنن ، وهو الاعتراض ، يقال عن لك الرجل إذا اعترضك عن يمينك أو يسارك .

                                                                                                                                            والعنة : عيب يثبت به للزوجة خيار الفسخ ، وهو إجماع الصحابة ، وقول جميع الفقهاء إلا شاذا عن الحكم بن عيينة وداود : أنه ليس بعيب ولا خيار فيه : استدلالا بأن امرأة رفاعة لما تزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي أبت طلاقي ، وقد تزوجني عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما له مثل هدبة الثوب ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فلم يجعل العنة فيه عيبا ، ولا جعل لها خيارا .

                                                                                                                                            وروى هانئ بن هانئ أن امرأة شكت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن زوجها لا ينتشر ، فقال : ولا عند الحر ، قالت : لا ، قالت : ما عند أست هذا خير ، ثم قال : اذهبي فجيئي به ، فلما جاءه رآه شيخا ضعيفا ، فقال لها : اصبري ، فلو شاء الله أن يبتليك بأكثر من هذا فعل ، ولم يجعل لها خيارا .

                                                                                                                                            [ ص: 369 ] ودليلنا قول الله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة : 229 ] فلما كان الوطء حقا له عليها وجب أن يكون حقا لها عليه ، وقال تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] وهي الفرقة : ولأنه إجماع الصحابة حكي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والمغيرة ، وابن عمر وجابر ، أنه يؤجل فإن أصاب وإلا فرق بينهما ، وليس يعرف لهم في الصحابة مخالف .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد تقدمت الرواية عن علي بخلاف هذا .

                                                                                                                                            قيل : تلك الرواية ليست ثابتة : لأن هانئ بن هانئ ضعيف عند أصحاب الحديث ، ولأن تلك لم يكن زوجها عنينا : لأنه عجز بعد القدرة : لضعف الكبر .

                                                                                                                                            وقيل : إنها كانت قد عنست عنده ، والعنين هو الذي لم يصبها قط ، وقد قال الشافعي في إثبات الإجماع : لا أحفظ عمن لقيته خلافا : ولأنه لما وجب لها بالجب خيار الفسخ : لفقد الإصابة المقصودة فكذلك العنة : ولأن العنين أسوأ حالا من المولي : لأن المولي تارك للإصابة مع القدرة ، والعنين تارك لها مع العجز ، فلما كان لها الفسخ في الإيلاء فلأن يكون لها في العنة أولى : ولأنه لما وجب له الخيار في فسخ نكاحها بالرتق : لتعذر الجماع عليه مع قدرته على فراقها بالطلاق كان أولى أن يجب لها بعنة الزوج : لأنها لا تقدر على فراقه بالطلاق .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن حديث امرأة رفاعة فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها شكت ضعف جماعه ، ولم تشك عجزه عنه ، ألا تراه قال لها : لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، ولو كان عاجزا لما ذاق واحد منهما عسيلة صاحبه على أنه قد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك فقالت يا رسول الله قد جاءني هبة ، وفيه معنيان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الهبة مرة واحدة . قاله ابن وهب .

                                                                                                                                            والثاني : أنها حقبة من الدهر . قاله أبو زيد ، وهذا نص في الجواب .

                                                                                                                                            والثالث : أنها ادعت ذلك على زوجها ، ولم يكن من الزوج اعتراف بدعواها ، بل أنكر عليها قولها فقال : كذبت يا رسول الله فإني أعركها عرك الأديم العكاظي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية