الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 373 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، هذا الذي حكمت به وسننته لكم ، من إباحتي لكم - أيتها الأمة - العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم ، على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم التي كنت منعتها من قبلكم من الأمم السالفة " تخفيف من ربكم ، يقول : تخفيف مني لكم مما كنت ثقلته على غيركم ، بتحريم ذلك عليهم " ورحمة " ، مني لكم . كما : -

2593 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا سفيان ، ‌‌‌‌‌‌عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد " ذلك تخفيف من ربكم " . يقول : خفف عنكم ما كان على من كان قبلكم : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان . [ ص: 374 ]

2594 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل ، لا تقبل منهم الدية ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى آخر الآية ، " ذلك تخفيف من ربكم " ، يقول : خفف عنكم ، وكان على من قبلكم أن الدية لم تكن تقبل ، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفو .

2595 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " - مما كان على بني إسرائيل ، يعني : من تحريم الدية عليهم .

2596 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس قالا : كان على بني إسرائيل قصاص في القتل ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، وذلك قول الله : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية كلها [ سورة المائدة : 45 ] ، وخفف الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة ، وذلك قوله تعالى : " ذلك تخفيف من ربكم " بينكم .

2597 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " ، وإنما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، أطعمهم الدية ، وأحلها لهم ، ولم تحل لأحد قبلهم . فكان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ، وليس بينهما أرش ، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو ، أمروا به . فجعل الله لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا ، أحلها لهم ، ولم تكن لأمة قبلهم .

2598 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 375 ] أبيه ، عن الربيع بمثله سواء ، غير أنه قال : ليس بينهما شيء .

2599 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنما هو القتل أو العفو إلى أهله . فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم .

2600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : وأخبرني عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : إن بني إسرائيل كان كتب عليهم القصاص ، وخفف عن هذه الأمة - وتلا عمرو بن دينار : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " .

وأما على قول من قال : القصاص في هذه الآية معناه : قصاص الديات بعضها من بعض ، على ما قاله السدي فإنه ينبغي أن يكون تأويله : هذا الذي فعلت بكم أيها المؤمنون من قصاص ديات قتلى بعضكم بديات بعض ، وترك إيجاب القود على الباقين منكم بقتيله الذي قتله وأخذه بديته تخفيف مني عنكم ثقل ما كان عليكم من حكمي عليكم بالقود أو الدية ، ورحمة مني لكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية