الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 370 ] فصل وإن حلف لا يأكل لحما لم يحنث بمرقه ، في الأصح كمخ وكبد وكلية وكرش وكارع وشحمة وألية وغيرها إلا بنية اجتناب الدسم ، وفي لحم رأس ولسان ولحم لا يؤكل وجهان ( م 15 - 17 ) ويحنث بسمك ، [ ص: 371 ] تقديما للشرع واللغة ، وعند ابن أبي موسى : لا ، ونقل صالح وابن هانئ : إن حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أو كارعا ، إن كان لشيء تأذى به من اللحم فالرأس مفارق للبدن ، وإن كان عقده لا يشتري لحما لجميعه فلا يعجبني يشتري شيئا من الشاة ، قال : وإن حلف لا يأكل لحما فأكل شحما فلا بأس إن كان لشيء لحقه من اللحم ، وإلا فلا يأكله ، وهل بياض لحم كسمين ظهر وجنب وسنام لحم أو شحم ؟ فيه وجهان ( م 18 و 19 ) [ ص: 372 ] ويحنث حالف لا يأكل شحما بألية لا بلحم أحمر وحده ، في الأصح فيهما ، وإن حلف لا يأكل رأسا أو بيضا حنث برأس طير وسمك وبيض سمك وجراد ، عند القاضي وعند أبي الخطاب : برأس يؤكل عادة منفرد ، أو بيض يفارق بائضه حيا ( م 20 ) وفي الواضح : في الرءوس هل يحنث ؟ اختاره الخرقي ، أم برءوس بهيمة الأنعام فقط ؟ فيه روايتان . وفي الترغيب : إن كان بإمكان العادة إفراده بالبيع فيه ، حنث فيه وفي غير مكانه وجهان ، نظرا إلى أصل العادة أو عادة الحالف .

                                                                                                          [ ص: 370 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 370 ] مسألة 15 - 17 ) قوله : " وفي لحم رأس ولسان ولحم لا يؤكل وجهان " . انتهى . وأطلقهما في الرعايتين والنظم فذكر مسائل :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 15 ) إذا حلف لا يأكل لحما فأكل لحم الرأس فهل يحنث أم لا ؟ أطلق الخلاف :

                                                                                                          ( أحدهما ) يحنث بأكل الخد ، اختاره أبو الخطاب ، قال الزركشي ، هو مناقض لاختياره فيما إذا حلف لا يأكل رأسا ، انتهى .

                                                                                                          قال في الخلاصة : يحنث بأكل لحم الرأس ، على الأصح ، قال في المذهب : حنث بأكل الرأس في ظاهر المذهب ، وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وغيره .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا يحنث حتى ينويه ، قال الزركشي : هذا ظاهر كلام أحمد ، واختيار القاضي ، وحكي عن ابن أبي موسى .

                                                                                                          وقال أبو الخطاب : لا يحنث بأكل رأس لم تجر العادة بأكله منفردا ، قال في المغني : فإن أكل رأسا أو كارعا فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه لا يحنث ، انتهى .

                                                                                                          قال القاضي لأن اسم اللحم لا يتناول الرءوس ، انتهى . وقدمه في الشرح .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 16 ) لو أكل اللسان فهل يحنث أم لا ؟ أطلق الخلاف . واعلم أن أكل اللسان كأكل لحم الرأس ، خلافا ومذهبا ، قال الزركشي : لا يحنث بأكل اللسان ، على أظهر الاحتمالين ، وأطلق الخلاف في المغني والشرح والرعايتين والنظم .

                                                                                                          ( المسألة الثالثة 17 ) إذا أكل لحما لا يؤكل فهل يحنث به أم لا ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في المحرر والحاوي :

                                                                                                          ( أحدهما ) يحنث ، وهو الصحيح ، قال في الكافي : ولو حلف لا يأكل لحما تناولت يمينه أكل اللحم المحرم ، وجزم به في المغني والشرح ونصراه ، وابن عبدوس في تذكرته ، قال الزركشي : ظاهر كلام الخرقي أنه يحنث بأكل اللحم ، فتدخل اللحوم المحرمة ، كلحم الخنزير ونحوه ، وهو أشهر الوجهين ، وبه قطع أبو محمد ، انتهى .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) لا يحنث ، وحكي عن ابن أبي موسى ، وهو قوي . [ ص: 371 ]

                                                                                                          ( مسألة 18 و 19 ) قوله : " وهل بياض لحم كسمين ظهر وجنب وسنام لحم أو شحم ؟ فيه وجهان " ، انتهى . ذكر مسألتين :

                                                                                                          ( المسألة الأولى 18 ) هل بياض اللحم مثل سمين الظهر والجنب لحم أو شحم ؟ أطلق الخلاف ، وأطلقه في النظم .

                                                                                                          ( أحدهما ) هو شحم ، فيحنث بأكله من حلف لا يأكل شحما ، وهو الصحيح ، وهو ظاهر كلام الخرقي وأبي الخطاب ، ومال إليه الشيخ الموفق والشارح ، قال في المقنع : وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث ، قال الزركشي : هو اختيار أكثر الأصحاب : القاضي والشريف وأبي الخطاب والشيرازي وابن عقيل وغيرهم ، وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم ، وقدمه في المحرر وشرح ابن منجى والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) هو لحم وليس بشحم ، فلا يحنث من حلف لا يأكل شحما فأكله ، اختاره ابن حامد والقاضي وقال : الشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى أو غيره ، قال الزركشي : وهو الصواب ، وهو كما قال ، وقال القاضي : وإن أكل من كل شيء من الشاة من لحمها الأحمر والأبيض والألية والكبد والطحال والقلب فقال شيخنا : يعني به ابن حامد لا يحنث ، لأن اسم الشحم لا يقع عليه ، انتهى .

                                                                                                          ( المسألة الثانية 19 ) هل السنام لحم أو شحم ، أطلق الخلاف .

                                                                                                          ( أحدهما ) هو شحم ( قلت ) وهو الصواب ، وقد صرح الأصحاب أن الألية لا تسمى لحما ، فكذا السنام .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) هو لحم ( قلت ) وهو بعيد جدا بل هو قول ساقط وإطلاق المصنف فيه نظر ظاهر [ ص: 372 ]

                                                                                                          ( مسألة 20 ) قوله . " وإن حلف لا يأكل رأسا أو بيضا حنث برأس طير وسمك وبيض سمك وجراد ، عند القاضي ، وعند أبي الخطاب : برأس يؤكل عادة منفرد أو بيضا يفارق بائضه حيا " انتهى .

                                                                                                          وكلامه في المقنع ككلام المصنف ، ما اختاره القاضي هو الصحيح ، وجزم به في الوجيز ، وفي كلام المصنف إيماء إلى تقديمه ، قال في الخلاصة : حنث بأكل السمك والطير ، على الأصح ، وما قاله أبو الخطاب قاله القاضي أيضا في موضع من خلافه ، واختاره الشيخ والموفق والشارح في البيض .




                                                                                                          الخدمات العلمية