الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          44 - فصل

                          [ قدر الخراج المضروب على الأرض ]

                          فأما قدر الخراج المضروب فمعتبر بما تحمله الأرض : نص عليه أحمد في رواية محمد بن داود ، وقد سئل عن حديث عمر رضي الله عنه : [ ص: 267 ] " وضع على جريب الكرم كذا ، وعلى جريب الزرع كذا " أهو شيء موظف على الناس لا يزاد عليهم أو إن رأى الإمام غير هذا زاد ونقص ؟ قال : بل هو على رأي الإمام إن شاء زاد عليهم وإن شاء نقص .

                          وقال : هو بين في حديث عمر رضي الله عنه : " إن زدت عليهم كذا لا يجهدهم " إنما نظر عمر رضي الله عنه إلى ما تطيق الأرض .

                          فقد نص على أن ذلك موقوف على اجتهاد الإمام وليس بموقوف على تقدير عمر رضي الله عنه .

                          ونقل العباس بن محمد الخلال عن أحمد أنه قال : والإمام يقره في أيديهم مقاسمة على النصف ، وأقل إذا رضي بذلك الأكرة يحملهم بقدر ما يطيقون .

                          ونص في موضع آخر أنه ليس للإمام أن يقهره على ما أقره عليه عمر رضي الله عنه .

                          وقال في رواية يعقوب بن بختان : لا يجوز للإمام أن ينقص وله أن [ ص: 268 ] يزيد .

                          وقال في رواية ابن منصور : ووضع عليها عمر رضي الله عنه - يعني السواد - الخراج على كل جريب درهما وقفيزا من الحنطة والشعير ، وما سوى ذلك من القصب والزيتون والنخل أشياء موظفة يؤدونها .

                          وقال : خراج السواد - على حديث الحكم عن عمرو بن ميمون - قفيز ودرهم .

                          قال الخلال في " جامعه " : أبو عبد الله يقول : إن للإمام النظر في ذلك ؛ فيزيد عليهم وينقص على قدر ما يطيقون ، وقد ذكر ذلك عنه غير واحد وما قاله عباس الخلال عن أبي عبد الله فهو قول أول له ، انتهى .

                          وقد اختلفت الرواية عن عمر رضي الله عنه في قدر الخراج ، ففي حديث عمرو بن ميمون قال : شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأتاه ابن حنيف فجعل يكلمه فسمعناه يقول له : تالله لئن وضعت على كل جريب من الأرض درهما وقفيزا لا يجهدها .

                          وفي حديث محمد بن عبيد الله الثقفي قال : وضع عمر على أهل السواد على كل جريب عامر أو غامر درهما وقفيزا ، وعلى جريب الرطبة [ ص: 269 ] خمسة دراهم .

                          وذكر الشعبي عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف إلى السواد ، فوضع على جريب الشعير درهمين ، وعلى جريب الرطبة أربعة دراهم ، وعلى جريب القصب ستة دراهم ، وعلى جريب النخل ثمانية ، وعلى جريب الكرم عشرة ، وعلى جريب الزيتون اثني عشر .

                          هذا ما حكاه أبو عبيد .

                          قال أحمد : أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث عمرو بن ميمون .

                          وهذا الاختلاف عن عمر رضي الله عنه يدل على أن الخراج ليس بمقدر شرعا بحيث لا تجوز فيه الزيادة ولا النقصان بل هو باعتبار الطاقة ويجب أن يكون وضع الخراج مراعى في كل أرض بحسب ما تحتمله وذلك يختلف من جهة جودة الأرض ورداءتها ومن جهة الزرع والشجر ، فإن منه ما تكثر قيمته ومنه ما تقل ومن جهة خفة مئونة السقي وكثرتها ، فإن منها ما يشرب بالدوالي والنواضح ، ومنها ما يشرب بالأمطار والأنهار فلا بد لواضع الخراج من اعتبار هذه الأوصاف ، ليعلم قدر ما [ ص: 270 ] تحتمله الأرض ، فيقصد العدل في وضعه ، فلا يجحف بأربابها ولا بمستحقي الخراج ، ويجب عليه أن يدع لأرباب الأرض بقية يجبرون بها النوائب والجوائح كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في خرص الثمار في الزكاة أن يترك لأهل النخل الثلث أو الربع .

                          [ ص: 271 ] وقال : " إن في المال السابلة والعرية والواطئة " .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية