الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

      التالي السابق


      ش قوله : ( هو الأول ) الجملة هنا جاءت معرفة الطرفين ؛ فهي تفيد اختصاصه سبحانه بهذه الأسماء الأربعة ومعانيها على ما يليق بجلاله وعظمته ، فلا يثبت لغيره من ذلك شيء .

      وقد اضطربت عبارات المتكلمين في تفسير هذه الأسماء ، ولا داعي لهذه التفسيرات بعدما ورد تفسيرها عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ، فقد روى مسلم في ( صحيحه ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن [ ص: 121 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه : اللهم رب السماوات السبع ، ورب الأرض ، رب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ؛ أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر .

      فهذا تفسير واضح جامع يدل على كمال عظمته سبحانه ، وأنه محيط بالأشياء من كل وجه .

      فالأول والآخر : بيان لإحاطته الزمانية .

      والظاهر والباطن : بيان لإحاطته المكانية .

      كما أن اسمه " الظاهر " يدل على أنه العالي فوق جميع خلقه ، فلا شيء منها فوقه .

      فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن .

      فاسمه الأول : دال على قدمه وأزليته .

      واسمه الآخر : دال على بقائه وأبديته .

      واسمه الظاهر : دال على علوه وعظمته .

      واسمه الباطن : دال على قربه ومعيته .

      [ ص: 122 ] ثم ختمت الآية بما يفيد إحاطة علمه بكل شيء من الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ، ومن العالم العلوي والسفلي ، ومن الواجبات والجائزات والمستحيلات ، فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

      فالآية كلها في شأن إحاطة الرب سبحانه بجميع خلقه من كل وجه ، وأن العوالم كلها في قبضة يده كخردلة في يد العبد ، لا يفوته منها شيء ، وإنما أتى بين هذه الصفات بالواو مع أنها جارية على موصوف واحد ؛ لزيادة التقرير والتأكيد ؛ لأن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم وتقريره ، وحسن ذلك لمجيئها بين أوصاف متقابلة قد يسبق إلى الوهم استبعاد الاتصال بها جميعا ؛ فإن الأولية تنافي الآخرية في الظاهر ، وكذلك الظاهرية والباطنية ، فاندفع توهم الإنكار بذلك التأكيد .




      الخدمات العلمية