الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 943 ] وقد رويت في الإرشاد هنا ثلاثة أحاديث بأسانيد كلهم دمشقيون مني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا دمشقي حماها الله تعالى وصانها وسائر بلاد الإسلام وأهله .

        التالي السابق


        قال الشيخ محيي الدين - رحمه الله تعالى - في آخر التقريب ( وقد رويت في الإرشاد هنا ثلاثة أحاديث بأسانيد كلهم دمشقيون مني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا دمشقي حماها الله تعالى وصانها وسائر بلاد الإسلام وأهله ) ، والمصنف اقتدى في ذلك بابن الصلاح حيث قال : ولنقتد بالحاكم أبي عبد الله الحافظ فنروي أحاديث بأسانيدها منبهين على بلاد رواتها ، ومستحسن من الحافظ أن يورد الحديث بإسناده ، ثم يذكر أوطان رجاله واحدا واحدا وهكذا غير ذلك من أحوالهم ، ثم روى ثلاثة أحاديث : الأول : بإسناد أوله مصريون وآخره بغداديون .

        والثاني : أوله مصريون وآخره نيسابوريون .

        [ ص: 944 ] والثالث : أوله كوفيون ، ثم مكي ويماني ثم نيسابوريون .

        وأنا مقتد بهم في ذلك فمورد هنا ثلاثة أحاديث بأسانيدها :

        الحديث الأول مسلسل بالفقهاء الشافعيين : أخبرني شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والمسلمين علم الدين صالح ابن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني ، أنا والدي ، أنا قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، أنا الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ، أنا الإمام زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ، أنا العلامة أبو الحسن بن المفضل المقدسي ، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي ، أنا أبو الحسن الكيا الهراسي ، أنا إمام الحرمين أبو المعالي ، أنا والدي الشيخ أبو محمد الجويني ، أنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الجيزي ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع بن سليمان المرادي ، أنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار .

        الحديث الثاني مسلسل بالحفاظ : أخبرني الحافظ أبو الفضل الهاشمي ، أنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين العراقي ، أنا الحافظ أبو سعيد العلائي ، أنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، أنا الحافظ أبو الحجاج المزي .

        [ ص: 945 ] ح وأخبرني عاليا بدرجتين حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل العسقلاني ، إجازة عامة ، ولم أرو بها غير هذا الحديث ، أنا شيخ الإسلام الحافظ أبو حفص البلقيني ، أنا الحافظ أبو الحجاج المزي ، أنا الحافظ محمد بن عبد الخالق بن طرخان ، أنا الحافظ أبو الحسن المقدسي ، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي ، أنا الحافظ أبو الغنائم النرسي ، أنا الحافظ أبو نصر بن ماكولا العجلي ، أنا الحافظ أبو بكر الخطيب ، ثنا الحافظ أبو حازم العبدري ثنا الحافظ أبو عمرو بن مطر ، ثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني الحافظ ، ثنا الفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا يحيى بن معين ، ثنا علي بن المديني ، ثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص ، عن أبي سلمة ، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رءوسهن حتى يكون كالوفرة .

        قال العلائي : هذا إسناد عجيب جدا ، من تسلسله بالحفاظ ، ورواية الأقران بعضهم عن بعض ، والحديث في صحيح مسلم من طريق عبيد الله بن معاذ ، وهو عال لنا من طريقه بتسع درجات ، على هذه الطريق .

        [ ص: 946 ] الحديث الثالث مسلسل بالمصريين : أخبرني شيخنا الإمام الشمني بقراءتي عليه غير مرة ، أنا أبو طاهر بن الكويك .

        ح وقرئ على أم الفضل بنت محمد المصرية ، وأنا أسمع أنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني ، ومحمد ومريم ولدا أحمد بن إبراهيم سماعا ، قالوا كلهم : أنا أبو الفتح محمد بن محمد الميدومي ، أنا أبو عيسى بن علاق ، أنا أبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري ، ثنا أبو صادق مرشد بن يحيى ، أنا أبو الحسن علي بن عمر الصواف ، ثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الحافظ ، أنا عمران بن موسى بن حميد الطيبي ، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني الليث بن سعد ، عن عامر بن يحيى المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، أنه قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فتنشر له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، ثم يقول الله تبارك وتعالى : أتنكر من هذا شيئا ، فيقول : لا يا رب ، فيقول عز وجل : ألك عذر أو حسنة ، فيهاب العبد فيقول : لا يا رب ، فيقول عز وجل : بلى ، إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج الله بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فيقول عز وجل : إنك لا تظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة .

        وبه قاله حمزة : لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير الليث بن سعد ، وهو من أحسن الحديث .

        [ ص: 947 ] وبه قال أبو الحسن : لما أملى علينا حمزة هذا الحديث صاح غريب من الحلقة صيحة فاضت نفسه معها .

        قلت : هذا حديث صحيح أخرجه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن المبارك .

        وابن ماجه ، عن محمد بن يحيى ، عن ابن أبي مريم .

        كلاهما عن الليث ، فوقع لنا عاليا .

        وزاد الترمذي في آخره : ولا يثقل مع اسم الله شيء ، وقال : هذا حديث حسن غريب .

        وأخرجه الترمذي أيضا عن قتيبة عن ابن لهيعة عن عامر بن يحيى نحوه .

        وبه يرد قول حمزة ، ما رواه غير الليث .

        وأخرجه الحاكم في المستدرك من رواية يونس بن محمد عن الليث ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، فقد احتج بأبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمرو ، وعامر [ ص: 948 ] بن يحيى مصري ثقة ، احتج به مسلم أيضا ، والليث إمام ، ويونس المؤدب ثقة ، متفق على إخراجه في الصحيحين ، انتهى .

        ورجال الإسناد الذي سقناه مني إلى عبد الله بن عمرو كلهم مصريون ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

        قد تم هذا الشرح المبارك يوم الثلاثاء لست خلت من جمادى الأولى سنة : 1306 على يد كاتبه صالح عبد السميع عفا الله عنه وغفر له ولوالديه ولكافة المسلمين . آمين

        وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




        الخدمات العلمية