الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 228 ] فصل في ولاء الموالاة قال ( وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أن يرثه ويعقل عنه أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه ، فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى ) وقال الشافعي رحمه الله : الموالاة ليس بشيء لأن فيه إبطال حق بيت المال ولهذا لا يصح في حق وارث آخر ولهذا لا يصح عنده الوصية بجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال وإنما يصح في الثلث .

ولنا قوله تعالى { والذين عقدت إيمانكم فآتوهم نصيبهم } والآية في الموالاة . { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال : هو أحق الناس به محياه ومماته } وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين ، ولأن ماله حقه فيصرفه إلى [ ص: 229 ] حيث شاء ، والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق .

[ ص: 228 ]

التالي السابق


[ ص: 228 ] ( فصل في ولاء الموالاة ) أخر ولاء الموالاة عن ولاء العتاقة لأن ولاء العتاقة قوي لأنه غير قابل للتحول والانتقال في جميع الأحوال ، بخلاف ولاء الموالاة فإن للمولى فيه أن ينتقل قبل العقل ، ولأنه يوجد في ولاء العتاقة الإحياء الحكمي ولا يوجد في ولاء الموالاة إحياء أصلا ، ولأن ولاء العتاقة متفق عليه في أنه سبب للإرث وأنه مقدم على ذوي الأرحام ، بخلاف ولاء الموالاة فإن الشعبي لم يقل بولاء الموالاة وقال : لا ولاء إلا ولاء العتاقة ، وبه أخذ الشافعي ومالك وأحمد ، ثم إن معنى مطلق الولاء لغة وشريعة قد تقدم في صدر كتاب الولاء .

وتفسير هذا الولاء على ما ذكر في الذخيرة وغيرها هو أن يسلم رجل على يد رجل فيقول للذي أسلم على يده أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك ، وإن جنيت فعقلي عليك وعلى عاقلتك وقبل الآخر منه

قال في العناية والنهاية : وله ثلاث شرائط : إحداها أن يكون مجهول النسب بأن لا ينسب إلى غيره ، وأما نسبة غيره إليه فغير مانع . والثانية أن لا يكون [ ص: 229 ] له ولاء عتاقة ولا ولاء موالاة مع أحد وقد عقل عنه .

والثالثة أن لا يكون عربيا انتهى . أقول : فيه كلام . أما أولا فلأن الشريطة الأولى تغني عن الشريطة الثالثة ، إذ لا جهالة في نسب العرب فيظهر باشتراط كون الموالي مجهول النسب اشتراط أن لا يكون عربيا ، إلا أن يكون ذكر الثالثة استقلال من قبيل التصريح بما علم التزاما .

وأما ثانيا فلأنه إن أريد حصر شرائط الولاء في هذه الثلاث كما هو المتبادر من ذكر العدد في أمثال هذا المقام فليس بصحيح ، إذ من شرائطه أيضا شرط الإرث والعقل كما صرح به المصنف فيما بعد حيث قال : ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب وصرح به في الكافي أيضا حيث قال : وإنما يصح ولاء الموالاة بشرائط : منها أن يشترط الميراث والعقل ، وصرح به صاحب الكفاية أيضا حيث قال : وله شرائط ، وعد منها أن يشترط الإرث والعقل ، وإن لم يرد حصر شرائطه في هذه الثلاث يكون تخصيص هذه الثلاث بالذكر خاليا عن الفائدة ويكون ذكر العدد عبثا ، ولا يكون للسؤال والجواب اللذين ذكرهما صاحب العناية متصلا بذلك كما ستعرفهما وجه لأن مدارهما على إرادة الحصر وإلا لا يتوجه ذلك السؤال رأسا فلا يحتاج إلى الجواب عنه أصلا .

وقال في العناية : فإن قيل : من شرط العقد عقل الأعلى وحريته فإن موالاة الصبي والعبد باطلة فكيف جعل الشرائط ثلاثا . أجيب بأن المذكورة إنما هي الشرائط العامة المحتاج إليها في كل واحدة من الصور ، وأما ما ذكرت فإنما هو نادر فلم يذكره . أقول : في هذا الجواب خلل ، فإن كل واحد من عقل الأعلى وحريته أيضا من الشرائط العامة المحتاج إليها في كل واحد من صور الموالاة ، إذ لا شك أن عقد الموالاة لا يصح بدون عقل المتعاقدين في شيء من الصور ، إذ لا يتصور الإيجاب والقبول بدون العقل ، وكذا لا يجوز موالاة العبد أصلا بغير إذن مولاه وإن أذن له مولاه في القبول كان عقده كعقد مولاه فيكون الولاء للمولى ، نص عليه في المبسوط وغيره فلا معنى لقوله وأما ما ذكرت فإنما هو نادر فلم يذكره .

ثم إن في تقرير السؤال أيضا خللا ، فإن تقييد العقل بعقل الأعلى في قوله من شرط العقد عقل الأعلى مما لا وجه له ، لأن عقل الأسفل أيضا شرط العقد ، إذ لا يتصور الإيجاب بدون العقل كما لا يتصور القبول بدونه ، وقد أفصح عنه صاحب البدائع حيث قال : وأما شرائط عقد الموالاة فمنها عقل العاقدين ، إذ لا صحة للإيجاب والقبول بدون العقل انتهى .

وكذا تقييد الحرية بالإضافة إلى ضمير الأعلى في قوله وحريته مما لا وجه له ، إذ حرية الأسفل أيضا شرط بل هي أظهر اشتراطا من حرية الأعلى لأنه لا يجوز إيجاب العبد عقد الموالاة ولو أذن له مولاه في ذلك ، ويجوز قبوله إياه بإذن مولاه ويصير الولاء لمولاه كما صرحوا به ، وأيضا لا وجه لترك ذكر البلوغ في أثناء تقرير السؤال فإنه من شرط عقد الموالاة كالعقل والحرية ، نص عليه في المبسوط والبدائع مع أن قوله فإن موالاة الصبي في وقوله فإن موالاة الصبي والعبد باطلة أوفق باشتراط البلوغ من اشتراط العقل ، فإن الصبي قد يكون عاقلا فلم يكن بطلان موالاته لعدم عقله بل كان لعدم بلوغه كما لا يخفى




الخدمات العلمية