الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          طير

                                                          طير : الطيران : حركة ذي الجناح في الهواء بجناحه ، طار الطائر يطير طيرا وطيرانا وطيرورة ، عن اللحياني ، وكراع ، وابن قتيبة ، وأطاره وطيره وطار به ، يعدى بالهمزة وبالتضعيف وبحرف الجر . الصحاح : وأطاره غيره وطيره وطايره بمعنى . والطير : معروف اسم لجماعة ما يطير ، مؤنث ، والواحد طائر والأنثى طائرة ، وهي قليلة ; التهذيب : وقلما يقولون طائرة للأنثى ; فأما قوله : أنشده الفارسي :


                                                          هم أنشبوا صم القنا في نحورهم وبيضا تقيض البيض من حيث طائر



                                                          فإنه عنى بالطائر الدماغ وذلك من حيث قيل له : فرخ ; قال :


                                                          ونحن كشفنا ، عن معاوية ، التي     هي الأم تغشى كل فرخ منقنق



                                                          عنى بالفرخ الدماغ كما قلنا . وقوله : " منقنق " إفراطا من القول ، ومثله قول ابن مقبل :

                                                          كأن نزو فراخ الهام ، بينهم ، نزو القلات ، زهاها قال قالينا وأرض مطارة : كثيرة الطير . فأما قوله تعالى : أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ; فإن معناه أخلق خلقا أو جرما ، وقوله : فأنفخ فيه ، الهاء عائدة إلى الطير ، ولا يكون منصرفا إلى الهيئة لوجهين : أحدهما أن الهيئة أنثى والضمير مذكر ، والآخر أن النفخ لا يقع في الهيئة لأنها نوع من أنواع العرض ، والعرض لا ينفخ فيه ، وإنما يقع النفخ في الجوهر ; قال : وجميع هذا قول الفارسي ، قال : وقد يجوز أن يكون الطائر اسما للجمع كالجامل والباقر ، وجمع الطائر أطيار . وهو أحد ما كسر على ما يكسر عليه مثله ; فأما الطيور فقد تكون جمع طائر كساجد وسجود ، وقد تكون جمع طير الذي هو اسم للجمع ، وزعم قطرب أن الطير يقع للواحد ; قال ابن سيده : ولا أدري كيف ذلك إلا أن يعني به المصدر ، وقرئ : فيكون طيرا بإذن الله ; وقال ثعلب : الناس كلهم يقولون للواحد طائر ، وأبو عبيدة معهم ، ثم انفرد فأجاز أن يقال : طير للواحد ، وجمعه على طيور ، قال الأزهري : وهو ثقة . الجوهري : الطائر جمعه طير مثل صاحب وصحب وجمع الطير طيور وأطيار مثل فرخ وأفراخ . وفي الحديث : الرؤيا لأول عابر وهي على رجل طائر ; قال : كل حركة من كلمة أو جار يجري ، فهو طائر مجازا ، أراد : على رجل قدر جار ، وقضاء ماض ، من خير أو شر ، وهي لأول عابر يعبرها ، أي أنها إذا احتملت تأويلين أو أكثر ، فعبرها من يعرف عباراتها ، وقعت على ما أولها ، وانتفى عنها غيره من التأويل ، وفي رواية أخرى : الرؤيا على رجل طائر ، ما لم تعبر ، أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر ، يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت ، كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله ، فكيف ما يكون على رجله ؟ وفي حديث أبي بكر والنسابة : فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء ; لأنه لما نحر فداء ابنه عبد الله أبي سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة بعير فرقها على رءوس الجبال فأكلتها الطير . وفي حديثأبي ذر : تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم ، يعني أنه استوفى بيان الشريعة وما يحتاج إليه من الدين حتى لم يبق مشكل ، فضرب ذلك مثلا ، وقيل : أراد أنه لم يترك شيئا إلا بينه ، حتى بين لهم أحكام الطير وما يحل منه وما يحرم ، وكيف يذبح ، وما الذي يفدي منه المحرم إذا أصابه ، وأشباه ذلك ، ولم يرد أن في الطير علما سوى ذلك علمهم إياه ورخص لهم أن يتعاطوا زجر الطير كما كان يفعله أهل الجاهلية . وقوله عز وجل : ولا طائر يطير بجناحيه ; قال ابن جني : هو من التطوع المشام للتوكيد لأنه قد علم أن الطيران لا يكون إلا بالجناحين ، وقد يجوز أن يكون قوله : بجناحيه مفيدا ، وذلك أنه قد قالوا :


                                                          طاروا علاهن فشل علاها



                                                          وقال العنبري :


                                                          طاروا إليه زرافات ووحدانا



                                                          ومن أبيات الكتاب :


                                                          وطرت بمنصلي في يعملات



                                                          فاستعملوا الطيران في غير ذي الجناح . فقوله تعالى : ولا طائر يطير بجناحيه ; على هذا مفيد ، أي ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذي الجناحين بل هو الطائر بجناحيه ألبتة . والتطاير : التفرق والذهاب ، ومنه حديث عائشة - رضي الله عنها - : سمعت من يقول : إن الشؤم في الدار والمرأة فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض أي كأنها تفرقت وتقطعت قطعا من شدة الغضب . وفي حديث عروة حتى تطايرت شئون رأسه أي تفرقت فصارت قطعا . وفي حديث ابن مسعود : فقدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا اغتيل أو استطير أي ذهب به بسرعة كأن الطير حملته أو اغتاله أحد . والاستطارة : والتطاير : التفرق والذهاب . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : فأطرت الحلة بين نسائي أي فرقتها بينهن وقسمتها فيهن . قال ابن الأثير : وقيل : الهمزة أصلية ، وقد تقدم . وتطاير الشيء : طار وتفرق . ويقال للقوم إذا كانوا هادئين ساكنين : كأنما على رءوسهم الطير ، وأصله أن الطير لا يقع إلا على شيء ساكن من الموات فضرب مثلا للإنسان ووقاره وسكونه . وقال الجوهري : كأن على رءوسهم الطير إذا سكنوا من هيبة ، وأصله أن الغراب يقع على رأس البعير ; فيلتقط منه الحلمة والحمنانة ، فلا يحرك البعير رأسه لئلا ينفر عنه الغراب . ومن أمثالهم في الخضب وكثرة الخير ، قولهم : هو في شيء لا يطير غرابه . ويقال : أطير الغراب فهو مطار ، قال النابغة :

                                                          [ ص: 172 ]


                                                          ولرهط حراب وقد سورة     في المجد ، ليس غرابها بمطار



                                                          وفلان ساكن الطائر أي وقور لا حركة له من وقاره ، حتى كأنه لو وقع عليه لسكن ذلك الطائر ، وذلك أن الإنسان لو وقع عليه طائر فتحرك أدنى حركة لفر ذلك الطائر ولم يسكن ، ومنه قول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكأن الطير فوق رءوسنا أي كأن الطير وقعت فوق رءوسنا فنحن نسكن ولا نتحرك خشية من نفار ذلك الطير . والطير : الاسم من التطير ، ومنه قولهم : لا طير إلا طير الله ، كما يقال : لا أمر إلا أمر الله ; وأنشد الأصمعي ، قال : أنشدناه الأحمر :


                                                          تعلم أنه لا طير إلا     على متطير ، وهو الثبور



                                                          بلى ! شيء يوافق بعض شيء ، أحايينا ، وباطله كثير

                                                          وفي صفة الصحابة ، رضوان الله عليهم : كأن على رءوسهم الطير ; وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة . وفي فلان طيرة وطيرورة أي خفة وطيش ; قال الكميت :


                                                          وحلمك عز ، إذا ما حلمت     وطيرتك الصاب والحنظل



                                                          ومنه قولهم : ازجر أحناء طيرك أي جوانب خفتك وطيشك . والطائر : ما تيمنت به أو تشاءمت ، وأصله في ذي الجناح . وقالوا للشيء يتطير به من الإنسان وغيره . طائر الله لا طائرك ، فرفعوه على إرادة : هذا طائر الله ، وفيه معنى الدعاء ، وإن شئت نصبت أيضا ، وقال ابن الأنباري : معناه فعل الله وحكمه لا فعلك وما تتخوفه ; وقال اللحياني : يقال : طير الله لا طيرك وطائر الله لا طائرك وصباح الله لا صباحك ، قال : يقولون هذا كله إذا تطيروا من الإنسان ، النصب على معنى نحب طائر الله ، وقيل بنصبهما على معنى أسأل الله طائر الله لا طائرك ; قال : والمصدر منه الطيرة ; وجرى له الطائر بأمر كذا ، وجاء في الشر ; قال الله عز وجل : ألا إنما طائرهم عند الله ; المعنى ألا إنما الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا ، وقال بعضهم : طائرهم حظهم ; قال الأعشى :


                                                          جرت لهم طير النحوس بأشأم



                                                          وقال أبو ذؤيب :


                                                          زجرت لهم طير الشمال ، فإن تكن     هواك الذي تهوى ، يصبك اجتنابها



                                                          وقد تطير به ، والاسم الطيرة والطيرة والطورة . وقال أبو عبيد : الطائر عند العرب الحظ ، وهو الذي تسميه العرب البخت . وقال الفراء : الطائر معناه عندهم العمل ، وطائر الإنسان عمله الذي قلده ، وقيل رزقه ، والطائر الحظ من الخير والشر . وفي حديث أم العلاء الأنصارية : اقتسمنا المهاجرين فطار لنا عثمان بن مظعون أي حصل نصيبنا منهم عثمان ، ومنه حديث رويفع : إن كان أحدنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليطير له النصل وللآخر القدح ، معناه أن الرجلين كانا يقتسمان السهم فيقع لأحدهما نصله وللآخر قدحه . وطائر الإنسان : ما حصل له في علم الله مما قدر له . ومنه الحديث : بالميمون طائره ، أي بالمبارك حظه ، ويجوز أن يكون أصله من الطير السانح والبارح . وقوله عز وجل : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ; وقيل حظه ، وقيل عمله ، وقال المفسرون : ما عمل من خير أو شر ألزمناه عنقه إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، والمعنى فيما يرى أهل النظر : أن لكل امرئ الخير والشر قد قضاه الله فهو لازم عنقه ، وإنما قيل للحظ من الخير والشر : طائر لقول العرب : جرى له الطائر بكذا من الشر ، على طريق الفأل والطيرة على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا ، فخاطبهم الله بما يستعملون ، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يسمونه بالطائر يلزمه ، وقرئ طائره وطيره ، والمعنى فيهما قيل : عمله خيره وشره ، وقيل : شقاؤه وسعادته ، قال أبو منصور : والأصل في هذا كله أن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم ; علم قبل خلقه ذريته أنه يأمرهم بتوحيده وطاعته وينهاهم عن معصيته ، وعلم المطيع منهم والعاصي الظالم لنفسه ; فكتب ما علمه منهم أجمعين ، وقضى بسعادة من علمه مطيعا ، وشقاوة من علمه عاصيا ، فصار لكل من علمه ما هو صائر إليه عند حسابه ، فذلك قوله عز وجل : وكل إنسان ألزمناه طائره ; أي ما طار له بدءا في علم الله من الخير والشر ، وعلم الشهادة عند كونهم يوافق علم الغيب ، والحجة تلزمهم بالذي يعملون ; وهو غير مخالف لما علمه الله منهم قبل كونهم . والعرب تقول : أطرت المال وطيرته بين القوم فطار لكل منهم سهمه ; أي صار له وخرج لديه سهمه ، ومنه قول لبيد يذكر ميراث أخيه بين ورثته وحيازة كل ذي سهم منه سهمه :


                                                          تطير عدائد الأشراك شفعا     ووترا والزعامة للغلام

                                                          والأشراك : الأنصباء ، واحدها شرك . وقوله : شفعا ووترا ; أي قسم لهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وخلصت الرياسة والسلاح للذكور من أولاده . وقوله عز وجل : في قصة ثمود وتشاؤمهم بنبيهم المبعوث إليهم صالح عليه السلام : قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله ; معناه ما أصابكم من خير وشر فمن الله ، وقيل : معنى قولهم : اطيرنا تشاءمنا ، وهو في الأصل تطيرنا ، فأجابهم الله تعالى فقال : طائركم معكم ; أي شؤمكم معكم ، وهو كفرهم ، وقيل للشؤم طائر وطير وطيرة ؛ لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها ، والتطير ببارحها ونعيق غرابها وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها ، فسموا الشؤم طيرا وطائرا وطيرة لتشاؤمهم بها ، ثم أعلم الله جل ثناؤه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن طيرتهم بها باطلة . وقال : لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ; وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتفاءل ولا يتطير ، وأصل الفأل الكلمة الحسنة يسمعها عليل فيتأول منها ما يدل على برئه كأن سمع مناديا نادى رجلا اسمه سالم ، وهو عليل ، فأوهمه [ ص: 173 ] سلامته من علته ، وكذلك المضل يسمع رجلا يقول : يا واجد فيجد ضالته ، والطيرة مضادة للفأل ، وكانت العرب مذهبها في الفأل والطيرة واحد ، فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - الفأل واستحسنه ، وأبطل الطيرة ونهى عنها . والطيرة من اطيرت وتطيرت ، ومثل الطيرة الخيرة . الجوهري : تطيرت من الشيء وبالشيء ، والاسم منه الطيرة ، بكسر الطاء وفتح الياء ، مثال العنبة وقد تسكن الياء ، وهو ما يتشاءم به من الفأل الرديء . وفي الحديث : أنه كان يحب الفأل ويكره الطيرة ، قال ابن الأثير : وهو مصدر تطير طيرة وتخير خيرة ، قال : ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما ، قال : وأصله فيما يقال : التطير بالسوانح والبوارح من الظباء والطير وغيرهما ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع ولا دفع ضرر ، ومنه الحديث : ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطيرة والحسد والظن ، قيل : فما نصنع ؟ قال : إذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تصحح . وقوله تعالى : قالوا اطيرنا بك وبمن معك ; أصله تطيرنا ، فأدغمت التاء في الطاء ، واجتلبت الألف ليصح الابتداء بها . وفي الحديث : الطيرة شرك وما منا إلا . . . ولكن الله يذهبه بالتوكل ، قال ابن الأثير : هكذا جاء الحديث مقطوعا ولم يذكر المستثنى ، أي إلا قد يعتريه التطير ويسبق إلى قلبه الكراهة ، فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع ، وهذا كحديثه الآخر : ما فينا إلا من هم أو لم إلا يحيى بن زكريا ، فأظهر المستثنى ، وقيل : إن قوله : وما منا إلا من قول ابن مسعود أدرجه في الحديث ، وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن الطير تجلب لهم نفعا أو تدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك ، وقوله : ولكن الله يذهبه بالتوكل ، معناه أنه إذا خطر له عارض التطير ، فتوكل على الله وسلم إليه ، ولم يعمل بذلك الخاطر غفره الله له ولم يؤاخذه به . وفي الحديث : إياك وطيرات الشباب ، أي زلاتهم وعثراتهم ، جمع طيرة . ويقال للرجل الحديد السريع الفيئة : إنه لطيور فيور . وفرس مطار : حديد الفؤاد ماض . والتطاير والاستطارة ، التفرق . واستطار الغبار ، إذا انتشر في الهواء . وغبار طيار ومستطير : منتشر . وصبح مستطير : ساطع منتشر ، وكذلك البرق والشيب والشر . وفي التنزيل العزيز : ويخافون يوما كان شره مستطيرا . واستطار الفجر وغيره ، إذا انتشر في الأفق ضوءه فهو مستطير ، وهو الصبح الصادق البين الذي يحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع ، وبه تحل صلاة الفجر ، وهو الخيط الأبيض الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز ، وأما الفجر المستطيل باللام ; فهو المستدق الذي يشبه بذنب السرحان ، وهو الخيط الأسود ولا يحرم على الصائم شيئا . وهو الصبح الكاذب عند العرب . وفي حديث السجود والصلاة ذكر الفجر المستطير ; هو الذي انتشر ضوءه واعترض في الأفق ، خلاف المستطيل ، وفي حديث بني قريظة :


                                                          وهان على سراة بني لؤي     حريق بالبويرة ، مستطير



                                                          أي منتشر متفرق كأنه طار في نواحيها . ويقال للرجل إذا ثار غضبه : ثار ثائره ، وطار طائره ، وفار فائره . وقد استطار البلى في الثوب والصدع في الزجاجة : تبين في أجزائهما . واستطارت الزجاجة : تبين فيها الانصداع من أولها إلى آخرها . واستطار الحائط : انصدع من أوله إلى آخره واستطار فيه الشق : ارتفع . ويقال : استطار فلان سيفه ، إذا انتزعه من غمده مسرعا ، وأنشد :


                                                          إذا استطيرت من جفون الأغماد     فقأن بالصقع يرابيع الصاد



                                                          واستطار الصدع في الحائط إذا انتشر فيه . واستطار البرق إذا انتشر في أفق السماء . يقال : استطير فلان يستطار استطارة ، فهو مستطار إذا ذعر ، وقال عنترة :


                                                          متى ما تلقني ، فردين ، ترجف     روانف أليتيك وتستطارا



                                                          واستطير الفرس ، فهو مستطار إذا أسرع الجري ; وقول عدي :


                                                          كأن ريقه شؤبوب غادية     لما تقفى رقيب النقع مسطارا



                                                          قيل : أراد مستطارا فحذف التاء ، كما قالوا : اسطعت واستطعت . وتطاير الشيء : طال . وفي الحديث : خذ ما تطاير من شعرك ; وفي رواية : من شعر رأسك ; أي طال وتفرق . واستطير الشيء أي طير ; قال الراجز :


                                                          إذا الغبار المستطار انعقا



                                                          وكلب مستطير كما يقال : فحل هائج . ويقال : أجعلت الكلبة واستطارت إذا أرادت الفحل . وبئر مطارة : واسعة الفم ; قال الشاعر :


                                                          كأن حفيفها ، إذ بركوها     هوي الريح في جفر مطار



                                                          وطير الفحل الإبل : ألقحها كلها ، وقيل : إنما ذلك إذا أعجلت اللقح ، وقد طيرت هي لقحا ولقاحا كذلك أي عجلت باللقاح ، وقد طارت بآذانها إذا لقحت ، وإذا كان في بطن الناقة حمل ، فهي ضامن ، ومضمان وضوامن ومضامين ، والذي في بطنها ملقوحة وملقوح ; وأنشد :


                                                          طيرها تعلق الإلقاح     في الهيج قبل كلب الرياح



                                                          وطاروا سراعا أي ذهبوا . ومطار ومطار ، كلاهما : موضع ; واختار ابن حمزة مطارا ; بضم الميم ، وهكذا أنشد هذا البيت :


                                                          حتى إذا كان على مطار



                                                          والروايتان جائزتان مطار ومطار ، وسنذكر ذلك في مطر . وقال أبو حنيفة : مطار واد فيما بين السراة وبين الطائف . والمسطار من الخمر : أصله مستطار في قول بعضهم وتطاير السحاب في السماء إذا عمها . والمطير : ضرب من البرود ; وقول العجير السلولي :


                                                          إذا ما مشت ، نادى بما في ثيابها [ ص: 174 ]     ذكي الشذا ، والمندلي المطير



                                                          قال أبو حنيفة : المطير هنا ضرب من صنعته ، وذهب ابن جني إلى أن المطير العود ، فإذا كان كذلك كان بدلا من المندلي لأن المندلي العود الهندي أيضا ، وقيل : هو مقلوب عن المطرى ; قال ابن سيده : ولا يعجبني ; وقيل : المطير المشقق المكسر ، قال ابن بري : المندلي منسوب إلى مندل بلد بالهند يجلب منه العود ; قال ابن هرمة :


                                                          أحب الليل أن خيال سلمى     إذا نمنا ، ألم بنا فزارا
                                                          كأن الركب ، إذ طرقتك     باتوا بمندل أو بقارعتي قمارا



                                                          وقمار أيضا : موضع بالهند يجلب منه العود . وطار الشعر طال ; وقول الشاعر أنشده ابن الأعرابي :


                                                          طيري بمخراق أشم كأنه     سليم رماح ، لم تنله الزعانف



                                                          طيري أي اعلقي به . ومخراق : كريم ، لم تنله الزعانف أي النساء الزعانف ، أي لم يتزوج لئيمة قط . سليم رماح أي قد أصابته رماح مثل سليم الحية . والطائر : فرس قتادة بن جرير . وذو المطارة : جبل . وقوله في الحديث : رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه ; أي يجريه في الجهاد فاستعار له الطيران . وفي حديث وابصة : فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره أي مال إلى جهة يهواها وتعلق بها . والمطار : موضع الطيران .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية