الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : وإذا كنت فيهم ؛ هذه الهاء والميم يعودان على المؤمنين؛ أي : وإذا كنت أيها النبي في المؤمنين في غزواتهم وخوفهم؛ فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا ؛ أي : فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك؛ فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ؛ جائز أن يكون - والله أعلم - : ولتأخذ الجماعة حذرهم؛ وأسلحتهم؛ ويجوز أن يكون الذين هم وجاه العدو يأخذون أسلحتهم؛ لأن من في الصلاة غير مقاتل؛ وجائز أن تكون الجماعة أمرت بحمل السلاح؛ وإن كان بعضها لا يقاتل؛ لأنه أرهب للعدو؛ وأحرى ألا يقدم على الحذرين المتيقظين المتأهبين للحرب في كل حال؛ وقد اختلف الناس في صلاة الخوف؛ فزعم مالك بن أنس أن أحب ما روي فيها إليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي؛ وقامت خلفه طائفة من المؤمنين؛ وطائفة وجاه العدو؛ فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة؛ وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى؛ وسلمت؛ وهو - صلى الله عليه وسلم - واقف؛ ثم انصرفت؛ وقامت وجاه العدو؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - واقف [ ص: 98 ] في الصلاة؛ وأتت الطائفة التي كانت وجاه العدو؛ فصلى بهم ركعة ثانية له؛ وهي الأولى لهذه الطائفة الأخرى؛ وجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وقاموا فصلوا ركعة ثانية وحدهم؛ وهو - صلى الله عليه وسلم - قاعد؛ وقعدوا في الثانية؛ فسلم؛ وسلموا بتسليمه؛ فصلت كل طائفة منهم ركعتين؛ وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين؛ وقال مالك : هذا أحب ما روي في صلاة الخوف إلي؛ وأما " أسلحة " ؛ فجمع " سلاح " ؛ مثل " حمار " ؛ و " أحمرة " ؛ و " سلاح " ؛ اسم لجملة ما يدفع الناس به عن أنفسهم في الحروب؛ مما يقاتل به خاصة؛ لا يقال للدواب؛ وما أشبهها : " سلاح " ؛ فأما " وليأخذوا " ؛ فالقراءة على سكون اللام : " وليأخذوا " ؛ و " وليأخذوا " ؛ هو الأصل؛ بالكسر؛ إلا أن الكسر استثقل؛ فيحذف استخفافا؛ وحكى الفراء أن لام الأمر قد فتحها بعض العرب في قولك : " ليجلس " ؛ فقالوا : " ليجلس " ؛ ففتحوا؛ وهذا خطأ؛ لا يجوز فتح لام الأمر؛ لئلا تشبه لام التوكيد؛ وقد حكى بعض البصريين فتح لام الجر؛ نحو قولك : " المال لزيد " ؛ تقول : " المال لزيد " ؛ وهذه الحكاية في الشذوذ كالأولى؛ لأن الإجماع؛ والروايات الصحيحة كسر لام الجر؛ ولام الأمر؛ ولا يلتفت إلى الشذوذ؛ خاصة إذا لم يروه النحويون القدماء الذين هم أصل الرواية؛ وجميع من ذكرنا من الذين رووا هذا الشاذ عندنا صادقون في الرواية؛ إلا أن الذي سمع منهم مخطئ؛ وقوله : ولا جناح عليكم ؛ [ ص: 99 ] " الجناح " : الإثم؛ وتأويله : من " جنحت " ؛ إذا عدلت عن المكان؛ أي : أخذت جانبا عن القصد؛ فتأويل " لا جناح عليكم " ؛ أي : لا تعدلون عن الحق إن وضعتم أسلحتكم؛ إن كان بكم أذى من مطر ؛ و " أذى " ؛ مقصورة؛ تقول : " أذي؛ يأذى؛ أذى " ؛ مثل : " فزع؛ يفزع؛ فزعا " ؛ وموضع " أن تضعوا " : نصب؛ أي : لا إثم عليكم في أن تضعوا؛ فلما سقطت " في " ؛ عمل ما قبل " أن " ؛ فيها؛ ويجوز أن يكون موضعها جرا؛ بمعنى " في " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية