الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون

                                                                                                                                                                                                فمن يرد الله أن يهديه : أن يلطف به ، ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف يشرح [ ص: 394 ] صدره للإسلام : يلطف به حتى يرغب في الإسلام ، وتسكن إليه نفسه ، ويحب الدخول فيه ومن يرد أن يضله : أن يخذله ويخليه وشأنه ، وهو الذي لا لطف له يجعل صدره ضيقا حرجا : يمنعه ألطافه ، حتى يقسو قلبه ، وينبو عن قبول الحق ، وينسد فلا يدخله الإيمان ، وقرئ : "ضيقا" : بالتخفيف والتشديد ، "حرجا" : بالكسر ، حرجا - بالفتح - وصفا بالمصدر : كأنما يصعد في السماء : كأنما يزاول أمرا غير ممكن ; لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة ، وتضيق عنه المقدرة .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : " يصعد" ، وأصله يتصعد .

                                                                                                                                                                                                وقرأ عبد الله : "يتصعد ويصاعد " ، وأصله : "يتصاعد ، ويصعد" ، من "صعد" ، ويصعد من أصعد يجعل الله الرجس يعني : الخذلان ومنع التوفيق ، وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب ، أو أراد الفعل المؤدي إلى الرجس ، وهو العذاب من الارتجاس ، وهو الاضطراب وهذا صراط ربك : وهذا طريقه الذي اقتضته الحكمة وعادته في التوفيق والخذلان ، "مستقيما" : عادلا مطردا ، وانتصابه على أنه حال مؤكدة ; كقوله : وهو الحق مصدقا [فاطر : 31] "لهم" : لقوم يذكرون دار السلام : دار الله ، يعني : الجنة أضافها إلى نفسه ; تعظيما لها ، أو دار السلامة من كل آفة وكدر ، [ ص: 395 ] عند ربهم : في ضمانه ، كما تقول : لفلان عندي حق لا ينسى ، أو ذخيرة لهم لا يعلمون كنهها ; كقوله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [السجدة : 17] وهو وليهم : مواليهم ومحبهم ، أو "ناصرهم على أعدائهم" بما كانوا يعملون : بسبب أعمالهم ، أو متوليهم بجزاه ما كانوا يعملون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية