الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ القول فيما إذا أصدقها تعليم القرآن وهو لا يحفظه ]

                                                                                                                                            وإذا أصدقها تعليم القرآن وهو لا يحفظ القرآن ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يجعل ذلك في ذمته ، مثل أن يقول : علي أن أحصل لك تعليم القرآن ، فهذا صداق جائز ، وإن كان لا يحسن القرآن ، وعليه أن يستأجر لها من يعلمها القرآن إما من النساء أو من ذوي محارمها من الرجال ، وعلى هذا لو كان يحفظ القرآن كان مخيرا بين أن يعلمها بنفسه ، أو يستأجر من يعلمها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون تعليم القرآن معقودا عليه في عينه ، مثل أن يقول : علي أن أعلمك القرآن ، نظر :

                                                                                                                                            فإن كان يحسن الكتابة جاز ، فإنه يقدر على تعليمها من المصحف ، وإن كان لا يحسن الكتابة ، ففي جوازه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز كما لو أصدقها ألف درهم لا يملكها ، جاز ؛ لأنه قد يجوز أن يملكها كذلك القرآن ، وإن كان لا يحفظه ، فقد يجوز أن يحفظه فيعلمها .

                                                                                                                                            [ ص: 409 ] والوجه الثاني : لا يجوز ، ويكون الصداق باطلا ؛ لأنه منفعة من معين ليست في ملكه ، فلم يجز أن يكون صداقا ، كما لو أصدقها خدمة عبد لا يملكه كان باطلا وإن جاز أن يملك العبد أو يستأجره .

                                                                                                                                            وخالف أن يصدقها ألف درهم لا يملكها ؛ لأن الألف غير معينة ، والمنفعة هاهنا معينة ، ألا ترى لو باع سلما ثوبا موصوفا في ذمته وهو لا يملكه جاز ، ولو باع ثوبا معيبا لا يملكه لم يجز .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما ذكرنا من الوجهين . فإن قيل بالوجه الأول : أن الصداق جائز ، كانت بالخيار بين أن تصبر عليه حتى يتعلم القرآن فيعلمها ، وبين أن تتعجل الفسخ وترجع عليه بأجرة مثل التعليم في أحد القولين ، وبمهر المثل في القول الثاني ، فلو قال لها : أنا أستأجر لك من يعلمك لم يلزمها ذلك ؛ لأن المنفعة مستحقة منه في عينه ، كما لو آجره عبدا فزمن بطلت الإجارة ، ولم يكن له أن يقيم عبدا غيره ، وخالف أن تريد إبدال نفسها بغيرها ، فيكون لها ذلك في أحد الوجهين .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أنه لا حق لها ، فجاز أن تكون مخيرة في استيفائه ، وهو مستحق على الزوج ، فلم يكن مخيرا في أدائه .

                                                                                                                                            وإن قيل بالوجه الثاني : أن الصداق باطل ، فلا فرق في بطلانه بين أن يتعلم القرآن من بعد أو لا يتعلمه ، وفيما ترجع به عليه قولان على ما مضى :

                                                                                                                                            أحدهما : أجرة المثل .

                                                                                                                                            والثاني : مهر المثل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية