الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أتم مثل النذارة بأن طاعة المطيع لا تنفع العاصي وإن كان أقرب الناس إلى المطيع إلا إن كان له أساس يصح البناء عليه، ويجوز الاعتداد به والنظر إليه، أتبعه مثل البشارة بأن عصيان العاصي لا يضر المطيع فقال: وضرب الله أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال مثلا للذين آمنوا ولو كان في أدنى درجات الإيمان مبينا لأن وصلة الكفار إذا كانت على وجه الإكراه والإجبار لا تضر امرأت فرعون واسمها آسية بنت مزاحم، آمنت وعملت صالحا فلم تضرها الوصلة بالكافر بالزوجية التي هي من أعظم الوصل ولا نفعه إيمانها كل امرئ بما كسب رهين وأثابها ربها سبحانه أن جعلها زوجة خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في دار كرامته بصبرها على عبادة الله وهي [ في -] حبالة عدوه، وأسقط وصفه بالعبودية دليلا على تحقيره وعدم رحمته لأنه أعدى أعدائه، وأشار إلى وجه الشبه في المثل [ ص: 211 ] وهو التحيز إلى حزب الله بقدر الوسع [ فقال-] : إذ أي مثلهم مثلها حين قالت تصديقا بالعبث منادية نداء الخواص بإسقاط الأداة لأجل أنها مؤمنة وإن كانت تحت كافر بنا فلم تضر صحبته شيئا لأجل إيمانها: رب أي أيها المحسن إلي بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبار ولم تغرني بعز الدنيا وسعتها ابن لي

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الجار مطلوبا - كما قالوا - قبل الدار، طلبت خير جار وقدمت الظرف اهتماما به لنصه على المجاورة ولدلالته على الزلفى فقالت: عندك بيتا وعينت مرادها بالعندية فقالت: في الجنة لأنها دار المقربين فظهر من أول كلامها وآخره أن مطلوبها أخص داره، وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة لخاتم رسوله الذي هو خير خلقه وأقربهم منه، فكانت معه في منزله الذي هو أعلى المنازل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما سألت ما حيزها إلى جناب الله سألت ما يباعدها في الدارين من أعدائه فقالت: ونجني أي تنجية عظيمة من فرعون أي فلا أكون عنده ولا تسلطه علي بما يضرني عندك وعمله أي أن أعمل بشيء منه ونجني أعادت العامل تأكيدا من القوم الظالمين أي الناس الأقوياء العريقين في أن يضعوا أعمالهم في غير مواضعها التي أمروا بوضعها فيها فعل من يمشي في الظلام عامة، وهم القبط، لا تخالطني بأحد منهم، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محبتها [ ص: 212 ] للمحبوب وهو موسى عليه الصلاة والسلام كما يقال: صديق صديقي داخل في صداقتي، وذلك [ أن -] موسى عليه الصلاة والسلام لما غلب السحرة آمنت به فعذبها فرعون فماتت بعد أن أراها الله بيتها في الجنة ولم يضرها كونها تحت فرعون شيئا لأنها كانت معذورة في ذلك، فالآية من الاحتباك: حذف أولا "فلم تسألا الجنة" لدلالة "رب ابن لي" ثانيا عليه، وحذف ثانيا "كانت تحت كافر" لدلالة الأول عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية