الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار

                                                                                                                1710 حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعبد الأعلى بن حماد كلهم عن ابن عيينة ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا إسحق يعني ابن عيسى حدثنا مالك كلاهما عن الزهري بإسناد الليث مثل حديثه وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس العجماء بالمد هي : كل الحيوان سوى الآدمي ، وسميت البهيمة عجماء ; لأنها لا تتكلم . والجبار - بضم الجيم وتخفيف الباء - الهدر . فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( العجماء جرحها جبار ) فمحمول على ما إذا أتلفت شيئا بالنهار أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها ، أو أتلفت شيئا وليس معها أحد فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث ، فأما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفت بيدها أو برجلها أو فمها ونحوه ، وجب ضمانه في مال الذي هو معها ، سواء كان مالكا أو مستأجرا أو مستعيرا أو غاصبا أو مودعا أو وكيلا أو غيره ، إلا أن تتلف آدميا فتجب ديته على عاقلة الذي معها ، والكفارة في ماله ، والمراد بجرح العجماء إتلافها ، سواء كان بجرح أو غيره ، قال القاضي : أجمع العلماء على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها إذا لم يكن معها أحد ، فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفته ، وقال داود وأهل الظاهر : لا ضمان بكل حال إلا أن يحملها الذي هو معها على ذلك أو يقصده ، وجمهورهم على أن الضارية من الدواب كغيرها على ما ذكرناه ، وقال مالك وأصحابه : يضمن مالكها ما أتلفت ، وكذا قال أصحاب الشافعي : يضمن إذا كانت معروفة بالإفساد ; لأن عليه ربطها والحالة هذه . وأما إذا أتلفت ليلا فقال مالك : يضمن صاحبها ما أتلفته . وقال الشافعي وأصحابه : [ ص: 365 ] يضمن إن فرط في حفظها ، وإلا فلا وقال أبو حنيفة : لا ضمان فيما أتلفته البهائم لا في ليل ولا في نهار ، وجمهورهم على أنه لا ضمان فيما رعته نهارا ، وقال الليث وسحنون : يضمن .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( والمعدن جبار ) فمعناه : أن الرجل يحفر معدنا في ملكه أو في موات فيمر بها مار فيسقط فيها فيموت ، أو يستأجر أجراء يعملون فيها فيقع عليهم فيموتون ، فلا ضمان في ذلك ، وكذا البئر جبار معناه : أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيها إنسان أو غيره ويتلف فلا ضمان ، وكذا لو استأجره لحفرها فوقعت عليه فمات فلا ضمان ، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها ، والكفارة في مال الحافر ، وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي الركاز الخمس ) ففيه تصريح بوجوب الخمس فيه ، وهو زكاة عندنا . والركاز هو دفن الجاهلية ، وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء ، وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق : هو المعدن ، وهما عندهم لفظان مترادفان ، وهذا الحديث يرد عليهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما ، وعطف أحدهما على الآخر ، وأصل الركاز في اللغة : الثبوت . والله أعلم . [ ص: 366 ]




                                                                                                                الخدمات العلمية