الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما فرغ من توبيخهم؛ قال - معللا -: إن الله ؛ أي: الذي له كل كمال؛ فهو الغني المطلق؛ لا يظلم ؛ أي: لا يتصور أن يقع منه ظلم ما؛ مثقال ذرة ؛ أي: فما دونها؛ وإنما ذكرها لأنها كناية عن العدم؛ لأنها مثل في الصغر؛ أي: فلا ينقص أحدا شيئا مما عمله؛ ولا يثيب عليه شيئا لم يعمله؛ فماذا على من آمن به؛ وهو [ ص: 282 ] بهذه الصفة العظمى؟

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر التخلي من الظلم؛ أتبعه التحلي بالفضل؛ فقال - عاطفا على ما تقديره: "فإن تك الذرة سيئة لم يزد عليها؛ ولا يجزي بها إلا مثلها" -: وإن ؛ ولما كان تشوف السامع إلى ذلك عظيما؛ حذف منه النون؛ بعد حذف المعطوف عليه؛ تقريبا لمرامه؛ فقال: تك ؛ أي: مثقال الذرة؛ وأنثه لإضافته إلى مؤنث؛ وتحقيرا له؛ ليفهم تضعيف ما فوقه؛ من باب الأولى؛ وهذا يطرد في قراءة الحرميين؛ برفع حسنة ؛ أي: وإن صغرت؛ يضاعفها ؛ أي: من جنسها؛ بعشرة أمثالها؛ إلى سبعين؛ إلى سبعمائة ضعف؛ إلى أزيد من ذلك بحسب ما يعلم من حسن العمل؛ بحسن النية؛ ويؤت من لدنه ؛ أي: من غريب ما عنده؛ فضلا من غير عمل؛ لمن يريد؛ قال الإمام: "وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية؛ وهذا الأجر إلى السعادات الروحانية"؛ أجرا عظيما ؛ وسماه أجرا - وهو من غير جنس تلك الحسنة - لابتنائه على الإيمان؛ أي: فمن كان هذا شأنه؛ لا يسوغ لعاقل توجيه الهمة إلا إليه؛ ولا الاعتماد أصلا؛ بإنفاق وغيره؛ إلا عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية