الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      إلى : لانتهاء الغاية زمانا ومكانا ، ولا يأتي فيها خلاف " من " في [ ص: 220 ] الزمان . وعبارة الراغب : حرف يحد به النهاية من الجوانب الستة ، وهل يدخل ما بعدها فيما قبلها أم لا أم يفرق بين أن يكون من جنس للغاية فيدخل ، وإلا فلا ؟ خلاف . ونسب الثالث إلى سيبويه كما قاله القرطبي . قلت : ورأيته مجزوما به لابن سريج في كتابه المسمى بالودائع بمنصوص الشرائع " في باب الوضوء قال : ومن أوجب إدخال المرفقين في الغسل ; لأنه من جنسه ; لأن اليد من أطراف الأصابع إلى المنكب ، وقيل : يدخل أول جزء من المنتهى إليه كما يدخل آخر جزء من المبتدأ منه . حكاه النيلي . وقال ابن الحاجب في شرح المفصل " : جاءت وما بعدها داخل ، وجاءت وما بعدها خارج ، فمنهم من حكم بالاشتراك ، ومنهم من حكم بظهور الدخول ، ومنهم من حكم بظهور انتفاء الدخول وعليه النحويون . انتهى .

                                                      وحكى إمام الحرمين وابن السمعاني وغيرهما عن سيبويه التفصيل بين أن تقترن بمن فتقتضي التحديد ، ولا يدخل الحد في المحدود ، نحو بعتك من هذه الشجرة إلى تلك ، فلا يدخلان في البيع ، وإن لم تقترن جاز أن تكون تحديدا ، وأن تكون بمعنى " مع " كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } وأنكر ابن خروف هذا على إمام الحرمين ، وقال : لم يذكر سيبويه في كتابه من هذا ولا حرفا ولا هو [ ص: 221 ] مذهبه ، والذي قاله في باب عدة الكلم : وأما " إلى " فمنتهى الابتداء تقول : من مكان كذا إلى كذا ، وكذلك " حتى " وقد بين ذلك في بابها بمعنى " حتى " ولها في الفعل حال ليس ل " إلى " تقول للرجل : إنما أنا إليك أي : إنما أنت مطلوبي وغايتي ، ولا تكون " حتى " هنا فهذا أمر " إلى " وأصلها وإن اتسعت ، وهي أعم في الكلام من " حتى " تقول : قمت إليه بجعله منتهاك من مكانك ولا تقول : حتاه . انتهى .

                                                      وليس فيه إلا أنها لانتهاء الغاية وإن اتسع فيها . وقال الزمخشري : الغاية لا تدخل شيئا ولا تخرجه ، بل إن كان صدر الكلام متناولا قبل دخول حرف الغاية يكون داخلا وإلا فلا . وقال إلكيا الهراسي : وما ذكروه من دخوله في المحدود ليس مأخوذا من معنى " إلى " وإنما فائدة " إلى " التنبيه عن أنها ما ابتدئ به فبمن ، وأما دخول ما ينتهي إليه فيه وعدمه فبدليل من خارج . وقال بعض النحاة : لا تفيد إلا انتهاء الغاية من غير دلالة على الدخول أو عدمه بل هو راجع إلى الدليل . وتحقيقه : أن " إلى " للنهاية فجاز أن يقع على أول الحد وأن يتوغل في المكان لكن تمتنع المجاوزة ; لأن النهاية غاية ، وما كان بعده شيء لم يسم غاية . قلت : وهذا هو ظاهر نص الشافعي في الرسالة " حيث قال : ودلت السنة على أن الكعبين والمرفقين مما يغسل ; لأن الآية تحتمل أن يكونا حدين للغسل ، وأن يكونا داخلين في الغسل ، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ويل [ ص: 222 ] للأعقاب من النار } دل على أنه غسل . انتهى .

                                                      وتجيء بمعنى " مع " في قول بعضهم ، والمحققون أنها على بابها وهي متعلقة بفعل محذوف دل عليه الكلام ، والتقدير في قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } أي : لا تضيفوها إلى أموالكم ، فأما قوله تعالى : { وأيديكم إلى المرافق } فمن أوجب غسلها قال بمعنى " مع " وعلى قول المحققين : هي على بابها ولا تفيد انتهاء الغسل إلى المرافق . قال الأزهري وغيره : إن لفظ اليد اسم لهذه الجارحة من رءوس الأصابع إلى المرفقين فالمرافق داخلة في حقيقة اليد ، وإذا جاءت إلى التحديد ببعض الشيء دخل المحدود إليه في الحد ، كقولك : بعتك من هذا الحائط إلى هذه الشجرة ، فإن الشجرة تدخل ، فعلى هذا لا يحتاج إلى تأويلها بمعنى " مع " . وقيل : دخلت المرافق في الغسل لأن المرافق منتهى الذراع ، فلزم من وجوب غسل الذراع وجوب غسل المرافق ، وقيل : إنها غاية للإسقاط لا لمد الحكم . وذكروا لهذا الكلام تفسيرين : أحدهما : أن صدر الكلام إذا كان متناولا للغاية كاليد فإنها اسم [ ص: 223 ] للمجموع إلى الإبط ; لأن ذكر الغاية لإسقاط ما وراءها لا لمد الحكم إليها ; لأن الامتداد حاصل ، فيكون قوله : { إلى المرافق } متعلقا بقوله : " اغسلوا " وغاية لكن لأجل إسقاط ما وراء المرفق عن حكم الغسل . الثاني : أنه غاية للإسقاط ومتعلق به كأنه قيل : اغسلوا أيديكم مسقطين إلى المرافق فتخرج عن الإسقاط ، فتبقى داخلة تحت الغسل ، والأول أوجه لظهور أن الجار والمجرور متعلق بالفعل المذكور ، وأثار بعضهم هنا بحثا ، وهو أنه إذا قرن بالكلام غاية أو استثناء أو شرطا لا يعتبر بالمطلق لم يخرج بالقيد عن الإطلاق بل يعتبر مع القيد جملة واحدة ، فالفعل مع الغاية كلام واحد للإيجاب إليها لا للإيجاب والإسقاط ; لأنهما ضدان فلا يثبتان إلا بالنص ، والنص مع الغاية بمعنى واحد . وقال القاضي أبو الطيب : مجيئها بمعنى " مع " لا يصار إليه إلا بدليل ولهذا قلنا : إذا قال : بعتك بشرط الخيار إلى الليل ، إن الليل لا يدخل في زمن الخيار خلافا لأبي حنيفة . قال الشيخ في المهذب " : وترد لابتداء الغاية ، نحو فلان خارج إلى شهر أي : أن ابتداء خروجه إلى شهر ، وفرع عليه : أنت طالق إلى شهر فلا تطلق إلا بعد شهر ، لاحتمال أن يريد ابتداء الغاية ، ونقله الرافعي عن المتولي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية