الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا .

                          [ ص: 133 ] الأستاذ الإمام : قال تعالى في الآية السابقة : فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وتوعد من صد عنه بسعير جهنم ، ثم فصل هذا الوعيد بقوله : إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا ونقلوا عن سيبويه أن " سوف " تأتي للتهديد وتنوب عنها " السين " ويستشهدون بهذه الآية ـ أي على سوف وبما بعدها على السين ـ ولكن ورد دخول السين على الفعل في مقام الوعد في الآية الآتية : سندخلهم جنات والصواب أن السين وسوف على معناهما المشهور في إفادة التنفيس والتأخير ، واشتق لفظ التسويف بمعنى التأخير من سوف ، ولكن بعضهم استشكل التسويف هنا ، ولو نظروا في مثل هذا الوعيد لرأوا أن حصوله يكون متأخرا جدا وقت نزول الآية به ، على أن للتراخي والبعد معنى آخر بحسب اعتبار المقام في الخطاب ، فإذا نظر إلى حال المغرورين ـ بما هم فيه من قوة وعزة ـ الذين صرفهم غرورهم وطغيانهم بعزتهم عن النظر فيما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من البينات والهدى فصدوا عنه استغناء بما هم فيه ، يراهم بهذا الغرور بعداء جدا عن تصور الوعيد والتفكير فيه ، فيكون هذا التسويف مرعيا فيه حالهم ليتفكروا في مستقبل أمرهم .

                          أقول : قد تركت هنا في مذكرتي التي كتبتها في درسه بياضا بقدر ثلاثة أسطر بعد قوله : " تصور الوعيد والتفكير فيه " ، ولا أذكر ماذا كنت أريد أن أكتب فيها ولا يظهر لي الآن وجه استشكال التأخير ، والوعيد إنما هو بعذاب الآخرة ، والعرب تستعمل التسويف فيما هو أقرب منه ، وقد ابتدأ الآية بذكر الذين كفروا ليعلم أن هذا الوعيد ليس خاصا بأولئك الكفار من اليهود ، والمراد بآيات الله هنا ما يدل على حقية دينه مطلقا ، ويدخل فيها القرآن دخولا أوليا ؛ لأنه أدل الدلائل وأظهر الآيات وأوضحها ، و نصليهم نارا معناه نجعلهم يصلونها ، أي : يدخلونها ويعذبون بها [ راجع بحث الصلي والإصلاء في ص 323 ج 4 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ] .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية