الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عبجر ]

                                                          عبجر : العبنجر : الغليظ .

                                                          عبد :

                                                          العبد : الإنسان ، حرا كان أو رقيقا ، يذهب بذلك إلى أنه مربوب لباريه ، جل وعز . وفي حديث عمر في الفداء : " مكان عبد عبد " . كان من مذهب عمر - رضي الله عنه - فيمن سبي من العرب في الجاهلية وأدركه الإسلام ، وهو عند من سباه ، أن يرد حرا إلى نسبه ، وتكون قيمته عليه يؤديها إلى من سباه ، فجعل مكان كل رأس منهم رأسا من الرقيق . وأما قوله : وفي ابن الأمة عبدان ، فإنه يريد الرجل العربي يتزوج أمة لقوم فتلد منه ولدا فلا يجعله رقيقا ، ولكنه يفدى بعبدين ، وإلى هذا ذهب الثوري وابن راهويه ، وسائر الفقهاء على خلافه . والعبد : المملوك خلاف الحر . قال سيبويه : هو في الأصل صفة ، قالوا : رجل عبد ، ولكنه استعمل استعمال الأسماء ، والجمع أعبد وعبيد مثل : كلب وكليب ، وهو جمع عزيز ، وعباد وعبد مثل : سقف وسقف ؛ وأنشد الأخفش :

                                                          انسب العبد إلى آبائه أسود الجلدة من قوم عبد



                                                          ومنه قرأ بعضهم : وعبد الطاغوت ؛ ومن الجمع أيضا عبدان ، بالكسر ، مثل : جحشان . وفي حديث علي : هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم . وعبدان ، بالضم : مثل : تمر وتمران . وعبدان ، مشددة الدال ، وأعابد جمع أعبد . قال أبو دواد الإيادي يصف نارا :

                                                          لهن كنار الرأس بال     علياء تذكيها الأعابد



                                                          ويقال : فلان عبد بين العبودة والعبودية والعبدية ؛ وأصل العبودية الخضوع والتذلل . والعبدى ، مقصور ، والعبداء ، ممدود ، والمعبوداء ، بالمد ، والمعبدة أسماء الجمع . وفي حديث أبي هريرة : " لا يقل أحدكم لمملوكه : عبدي وأمتي وليقل : فتاي وفتاتي " . هذا على نفي الاستكبار عليهم وأن ينسب عبوديتهم إليه ، فإن المستحق لذلك الله تعالى [ ص: 9 ] هو رب العباد كلهم والعبيد ، وجعل بعضهم العباد لله ، وغيره من الجمع لله والمخلوقين ، وخص بعضهم بالعبدى العبيد الذين ولدوا في الملك ، والأنثى عبدة . قال الأزهري : اجتمع العامة على تفرقة ما بين عباد الله والمماليك فقالوا : هذا عبد من عباد الله ، وهؤلاء عبيد مماليك . قال : ولا يقال : عبد يعبد عبادة إلا لمن يعبد الله ، ومن عبد دونه إلها فهو من الخاسرين .

                                                          قال : وأما عبد خدم مولاه فلا يقال : عبده . قال الليث : ويقال للمشركين : هم عبدة الطاغوت ، ويقال للمسلمين : عباد الله يعبدون الله . والعابد : الموحد . قال الليث : العبدى جماعة العبيد الذين ولدوا في العبودية تعبيدة ابن تعبيدة أي : في العبودة إلى آبائه . قال الأزهري : هذا غلط ، يقال : هؤلاء عبدى الله أي : عباده . وفي الحديث الذي جاء في الاستسقاء : " هؤلاء عبداك بفناء حرمك " . العبداء ، بالمد والقصر ، جمع العبد . وفي حديث عامر بن الطفيل : " أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - - : ما هذه العبدى حولك يا محمد ؟ " . أراد فقراء أهل الصفة ، وكانوا يقولون : اتبعه الأرذلون . قال شمر : ويقال للعبيد : معبدة ؛ وأنشد للفرزدق :

                                                          وما كانت فقيم حيث كانت     بيثرب غير معبدة قعود



                                                          قال الأزهري : ومثل معبدة جمع العبد مشيخة جمع الشيخ ، ومسيفة جمع السيف . قال اللحياني : عبدت الله عبادة ومعبدا . وقال الزجاج في قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، المعنى : ما خلقتهم إلا لأدعوهم إلى عبادتي وأنا مريد للعبادة منهم ، وقد علم الله قبل أن يخلقهم من يعبده ممن يكفر به ، ولو كان خلقهم ليجبرهم على العبادة لكانوا كلهم عبادا مؤمنين . قال الأزهري : وهذا قول أهل السنة والجماعة . والعبدل : العبد ، ولامه زائدة . والتعبدة : المعرق في الملك ، والاسم من كل ذلك العبودة والعبودية ولا فعل له عند أبي عبيد . وحكى اللحياني : عبد عبودة وعبودية . الليث : وأعبده عبدا ملكه إياه . قال الأزهري : والمعروف عند أهل اللغة : أعبدت فلانا أي : استعبدته . قال : ولست أنكر جواز ما قاله الليث إن صح لثقة من الأئمة فإن السماع في اللغات أولى بنا من خبط العشواء ، والقول بالحدس وابتداع قياسات لا تطرد . وتعبد الرجل وعبده وأعبده : صيره كالعبد ، وتعبد الله العبد بالطاعة أي : استعبده ؛ وقال الشاعر :

                                                          حتام يعبدني قومي وقد كثرت     فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان ؟



                                                          وعبده واعتبده واستعبده ؛ اتخذه عبدا ؛ عن اللحياني ؛ قال رؤبة :

                                                          يرضون بالتعبيد والتأمي



                                                          أراد : والتأمية . يقال : تعبدت فلانا أي : اتخذته عبدا مثل : عبدته سواء . وتأميت فلانة أي : اتخذتها أمة . وفي الحديث : " ثلاثة أنا خصمهم : رجل اعتبد محررا " . وفي رواية : " أعبد محررا " . أي : اتخذه عبدا ، وهو أن يعتقه ثم يكتمه إياه ، أو يعتقله بعد العتق فيستخدمه كرها ، أو يأخذ حرا فيدعيه عبدا ويتملكه . والقياس : أن يكون أعبدته جعلته عبدا . وفي التنزيل : وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ، قال الأزهري : وهذه آية مشكلة وسنذكر ما قيل فيها ونخبر بالأصح الأوضح . قال الأخفش في قوله تعالى : وتلك نعمة قال : يقال : هذا استفهام كأنه قال : أو تلك نعمة تمنها علي ، ثم فسر فقال : أن عبدت بني إسرائيل ، فجعله بدلا من النعمة . قال أبو العباس : وهذا غلط لا يجوز أن يكون الاستفهام ملقى وهو يطلب ، فيكون الاستفهام كالخبر . وقد استقبح ومعه أم وهي دليل على الاستفهام ، استقبحوا قول امرئ القيس :

                                                          تروح من الحي أم تبتكر



                                                          قال بعضهم : هو أتروح من الحي أم تبتكر فحذف الاستفهام أولى والنفي تام . وقال أكثرهم : الأول : خبر . والثاني : استفهام . فأما وليس معه أم لم يقله إنسان . قال أبو العباس : وقال الفراء : وتلك نعمة تمنها علي لأنه قال : وأنت من الكافرين لنعمتي أي : لنعمة تربيتي لك ، فأجابه فقال : نعم هي نعمة علي أن عبدت بني إسرائيل ولم تستعبدني ، فيكون موضع ( أن ) رفعا ويكون نصبا وخفضا ، من رفع ردها على النعمة كأنه قال : وتلك نعمة تمنها علي تعبيدك بني إسرائيل ولم تعبدني ، ومن خفض أو نصب أضمر اللام . قال الأزهري : والنصب أحسن الوجوه . المعنى : أن فرعون لما قال لموسى : قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين ، فاعتد فرعون على موسى بأنه رباه وليدا منذ ولد إلى أن كبر ، فكان من جواب موسى له : تلك نعمة تعتد بها علي لأنك عبدت بني إسرائيل ، ولو لم تعبدهم لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم ، فإنما صارت نعمة لما أقدمت عليه مما حظره الله عليك . قال أبو إسحاق : المفسرون أخرجوا هذه على جهة الإنكار أن تكون تلك نعمة ، كأنه قال : وأي نعمة لك علي في أن عبدت بني إسرائيل ، واللفظ لفظ خبر . قال : والمعنى يخرج على ما قالوا على أن لفظه لفظ الخبر وفيه تبكيت المخاطب ، كأنه قال له : هذه نعمة أن اتخذت بني إسرائيل عبيدا ولم تتخذني عبدا . وعبد الرجل عبودة وعبودية وعبد : ملك هو وآباؤه من قبل . والعباد : قوم من قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية فأنفوا أن يتسموا بالعبيد وقالوا : نحن العباد ، والنسب إليه عبادي كأنصاري ، نزلوا بالحيرة ، وقيل : هم العباد ، بالفتح ، وقيل لعبادي : أي حماريك شر ؟ فقال : هذا ثم هذا . وذكره الجوهري : العبادي ، بفتح العين . قال ابن بري : هذا غلط بل مكسور العين ؛ كذا قال ابن دريد وغيره ؛ ومنه عدي بن زيد العبادي ، بكسر العين ، وكذا وجد بخط الأزهري . وعبد الله يعبده عبادة ومعبدا ومعبدة : تأله له ؛ ورجل عابد من قوم عبدة وعبد وعبد وعباد . والتعبد : التنسك . والعبادة : الطاعة . وقوله تعالى : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وأبو عمرو والكسائي : وعبد الطاغوت . قال الفراء : وهو معطوف على قوله عز وجل : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت . وقال [ ص: 10 ] الزجاج : قوله : وعبد الطاغوت ، نسق على من لعنه الله . المعنى : من لعنه الله ومن عبد الطاغوت من دون الله عز وجل ، قال : وتأويل " عبد الطاغوت " أي : أطاعه يعني : الشيطان فيما سول له وأغواه . قال : والطاغوت هو الشيطان . وقال في قوله تعالى : إياك نعبد ، أي : نطيع الطاعة التي يخضع معها ، وقيل : إياك نوحد ، قال : ومعنى العبادة في اللغة : الطاعة مع الخضوع ، ومنه طريق معبد إذا كان مذللا بكثرة الوطء . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة : ( وعبد الطاغوت ) . قال الفراء : ولا أعلم له وجها إلا أن يكون عبد بمنزلة حذر وعجل . وقال نصر الرازي : عبد وهم من قرأه ولسنا نعرف ذلك في العربية . قال الليث : وعبد الطاغوت معناه : صار الطاغوت يعبد كما يقال : ظرف الرجل وفقه . قال الأزهري : غلط الليث في القراءة والتفسير ، ما قرأ أحد من قراء الأمصار وغيرهم : ( وعبد الطاغوت ) ، برفع الطاغوت ، إنما قرأ حمزة : ( وعبد الطاغوت ) وهي مهجورة أيضا . قال الجوهري : وقرأ بعضهم : ( وعبد الطاغوت ) وأضافه . قال : والمعنى فيما يقال : خدم الطاغوت ، قال : وليس هذا بجمع لأن فعلا لا يجمع على فعل مثل : حذر وندس ، فيكون المعنى : وخادم الطاغوت . قال الأزهري : وذكر الليث أيضا قراءة أخرى ما قرأ بها أحد قال وهي : ( وعابدو الطاغوت ) جماعة . قال : وكان - رحمه الله - قليل المعرفة بالقراآت ، وكان نوله أن لا يحكي القراآت الشاذة وهو لا يحفظها ، والقارئ إذا قرأ بها جاهل ، وهذا دليل أن إضافته كتابه إلى الخليل بن أحمد غير صحيح ، لأن الخليل كان أعقل من أن يسمي مثل هذه الحروف قراآت في القرآن ولا تكون محفوظة لقارئ مشهور من قراء الأمصار ، ونسأل الله العصمة والتوفيق للصواب . قال ابن سيده : وقرئ : ( وعبد الطاغوت ) جماعة عابد . قال الزجاج : هو جمع عبيد كرغيف ورغف . وروي عن النخعي أنه قرأ : ( وعبد الطاغوت ) بإسكان الباء وفتح الدال . وقرئ : ( وعبد الطاغوت ) وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون مخففا من عبد كما يقال في عضد : عضد ، وجائز أن يكون عبد اسم الواحد يدل على الجنس ويجوز في عبد النصب والرفع ، وذكر الفراء أن أبيا وعبد الله قرآ : ( وعبدوا الطاغوت ) . وروي عن بعضهم أنه قرأ : ( وعباد الطاغوت ) وبعضهم : ( وعابد الطاغوت ) . قال الأزهري : وروي عن ابن عباس : ( وعبد الطاغوت ) وروي عنه أيضا : ( وعبد الطاغوت ) ومعناه : عباد الطاغوت . وقرئ : ( وعبد الطاغوت ) وقرئ : ( وعبد الطاغوت ) . قال الأزهري : والقراءة الجيدة التي لا يجوز عندي غيرها هي قراءة العامة التي بها قرأ القراء المشهورون ، وعبد الطاغوت على التفسير الذي بينته أولا . وأما قول أوس بن حجر :

                                                          أبني لبينى لست معترفا     ليكون ألأم منكم أحد
                                                          أبني لبينى إن أمكم     أمة وإن أباكم عبد



                                                          فإنه أراد وإن أباكم عبد فثقل للضرورة ، فقال : عبد لأن القصيدة من الكامل وهي حذاء . وقول الله تعالى : وقومهما لنا عابدون ، أي : دائنون . وكل من دان لملك فهو عابد له . وقال ابن الأنباري : فلان عابد وهو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لأمره . وقوله عز وجل : اعبدوا ربكم ، أي : أطيعوا ربكم . والمتعبد : المنفرد بالعبادة . والمعبد : المكرم المعظم كأنه يعبد ؛ قال :

                                                          تقول ألا تمسك عليك فإنني     أرى المال عند الباخلين معبدا ؟



                                                          سكن آخر تمسك لأنه توهم سكع من تمسك عليك بناء فيه ضمة بعد كسرة ، وذلك مستثقل فسكن ، كقول جرير :

                                                          سيروا بني العم فالأهواز منزلكم     ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب



                                                          والمعبد : المكرم في بيت حاتم حيث يقول :

                                                          تقول : ألا تبقي عليك فإنني     أرى المال عند الممسكين معبدا ؟

                                                          أي : معظما مخدوما . وبعير معبد : مكرم . والعبد : الجرب ، وقيل : الجرب الذي لا ينفعه دواء . وقد عبد عبدا . وبعير معبد : أصابه ذلك الجرب ؛ عن كراع . وبعير معبد : مهنوء بالقطران ؛ قال طرفة :

                                                          إلى أن تحامتني العشيرة كلها     وأفردت إفراد البعير المعبد



                                                          قال شمر : المعبد من الإبل الذي قد عم جلده كله بالقطران . ويقال : المعبد الأجرب الذي قد تساقط وبره فأفرد عن الإبل ليهنأ ، ويقال : هو الذي عبده الجرب أي : ذلله . وقال ابن مقبل :

                                                          وضمنت أرسان الجياد معبدا     إذا ما ضربنا رأسه لا يرنح



                                                          قال : المعبد هاهنا الوتد . قال شمر : قيل للبعير إذا هنئ بالقطران : معبد لأنه يتذلل لشهوته القطران وغيره فلا يمتنع . وقال أبو عدنان : سمعت الكلابيين يقولون : بعير متعبد ومتأبد إذا امتنع على الناس صعوبة وصار كآبدة الوحش . والمعبد : المذلل . والتعبد : التذلل ، ويقال : هو الذي يترك ولا يركب . والتعبيد : التذليل . وبعير معبد : مذلل . وطريق معبد : مسلوك مذلل ، وقيل : هو الذي تكثر فيه المختلفة . قال الأزهري : والمعبد الطريق الموطوء في قوله :

                                                          وظيفا وظيفا فوق مور معبد



                                                          وأنشد شمر :

                                                          وبلد نائي الصوى معبد     قطعته بذات لوث جلعد



                                                          قال : أنشدنيه أبو عدنان وذكر أن الكلابية أنشدته وقالت : المعبد الذي ليس فيه أثر ولا علم ولا ماء . والمعبدة : السفينة المقيرة ؛ قال بشر في سفينة ركبها :

                                                          معبدة السقائف ذات دسر     مضبرة جوانبها رداح



                                                          قال أبو عبيدة : المعبدة المطلية بالشحم أو الدهن أو القار ؛ وقول بشر : [ ص: 11 ]

                                                          ترى الطرق المعبد من يديها     لكذان الإكام به انتضال



                                                          الطرق : اللين في اليدين . وعنى بالمعبد : الطرق الذي لا يبس يحدث عنه ولا جسوء فكأنه طريق معبد قد سهل وذلل . والتعبيد : الاستعباد وهو أن يتخذه عبدا وكذلك الاعتباد . وفي الحديث : " ورجل اعتبد محررا " . والإعباد مثله وكذلك التعبد ؛ وقال : تعبدني نمر بن سعد وقد أرى ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع

                                                          وعبد عليه عبدا وعبدة فهو عابد وعبد : غضب . وعداه الفرزدق بغير حرف فقال :

                                                          علام يعبدني قومي وقد كثرت     فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان ؟



                                                          أنشده يعقوب وقد تقدمت رواية من روى : يعبدني . وقيل : عبد عبدا فهو عبد وعابد : غضب وأنف ، والاسم العبدة . والعبد : طول الغضب . قال الفراء : عبد عليه وأحن عليه وأمد وأبد أي : غضب . وقال الغنوي : العبد الحزن والوجد . وقيل في قول الفرزدق :

                                                          أولئك قوم إن هجوني هجوتهم     وأعبد أن أهجو كليبا بدارم



                                                          أعبد أي : آنف . وقال ابن أحمر يصف الغواص :

                                                          فأرسل نفسه عبدا عليها     وكان بنفسه أربا ضنينا



                                                          قيل : معنى قوله : عبدا أي : أنفا . يقول : أنف أن تفوته الدرة . وفي التنزيل : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، ويقرأ : ( العبدين ) . قال الليث : العبد ، بالتحريك ، الأنف والغضب والحمية من قول يستحيا منه ويستنكف ، ومن قرأ : ( العبدين ) فهو مقصور من عبد يعبد فهو عبد . وقال الأزهري : هذه آية مشكلة وأنا ذاكر أقوال السلف فيها ثم أتبعها بالذي قال أهل اللغة وأخبر بأصحها عندي . أما القول الذي قاله الليث في قراءة العبدين ، فهو قول أبي عبيدة على أني ما علمت أحدا قرأ : ( فأنا أول العبدين ) ، ولو قرئ مقصورا كان ما قاله أبو عبيدة محتملا ، وإذ لم يقرأ به قارئ مشهور لم نعبأ به . والقول الثاني : ما روي عن ابن عيينة أنه سئل عن هذه الآية فقال : معناه : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، يقول : فكما أني لست أول من عبد الله فكذلك ليس لله ولد . وقال السدي : قال الله لمحمد : قل إن كان على الشرط للرحمن ولد كما تقولون لكنت أول من يطيعه ويعبده . وقال الكلبي : إن كان ما كان . وقال الحسن وقتادة : إن كان للرحمن ولد على معنى ما كان ، فأنا أول العابدين أول من عبد الله من هذه الأمة . قال الكسائي : قال بعضهم : إن كان أي : ما كان للرحمن فأنا أول العابدين أي : الآنفين ، رجل عابد وعبد وآنف وأنف أي : الغضاب الآنفين من هذا القول ، وقال : فأنا أول الجاحدين لما تقولون ، ويقال : أنا أول من تعبده على الوحدانية مخالفة لكم . وفي حديث علي - رضي الله عنه - : " وقيل له : أنت أمرت بقتل عثمان أو أعنت على قتله فعبد وضمد " . أي : غضب غضب أنفة . عبد ، بالكسر ، يعبد عبدا ، بالتحريك ، فهو عابد وعبد . وفي رواية أخرى عن علي - كرم الله وجهه - أنه قال : " عبدت فصمت " . أي : أنفت فسكت . وقال ابن الأنباري : ما كان للرحمن ولد ، والوقف على الولد ثم يبتدئ : فأنا أول العابدين له ، على أنه لا ولد له ، والوقف على العابدين تام . قال الأزهري : قد ذكرت الأقوال وفيه قول أحسن من جميع ما قالوا وأسوغ في اللغة وأبعد من الاستكراه وأسرع إلى الفهم . روي عن مجاهد فيه أنه يقول : إن كان لله ولد في قولكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم بما تقولون . قال الأزهري : وهذا واضح ، ومما يزيده وضوحا أن الله عز وجل قال لنبيه : قل يا محمد للكفار إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين إله الخلق أجمعين الذي لم يلد ولم يولد ، وأول الموحدين للرب الخاضعين المطيعين له وحده لأن من عبد الله واعترف بأنه معبوده وحده لا شريك له فقد دفع أن يكون له ولد في دعواكم ، والله عز وجل واحد لا شريك له ، وهو معبودي الذي لا ولد له ولا والد . قال الأزهري : وإلى هذا ذهب إبراهيم بن السري وجماعة من ذوي المعرفة . قال : وهو الذي لا يجوز عندي غيره . وتعبد كعبد ؛ قال جرير :

                                                          يرى المتعبدون علي دوني     حياض الموت واللجج الغمارا



                                                          وأعبدوا به : اجتمعوا عليه يضربونه . وأعبد بفلان : ماتت راحلته أو اعتلت أو ذهبت فانقطع به ، وكذلك أبدع به . وعبد الرجل : أسرع . وما عبدك عني أي : ما حبسك ؛ حكاه ابن الأعرابي . وعبد به : لزمه فلم يفارقه ؛ عنه أيضا . والعبدة : البقاء ؛ يقال : ليس لثوبك عبدة أي : بقاء وقوة ؛ عن اللحياني . والعبدة : صلاءة الطيب . ابن الأعرابي : العبد نبات طيب الرائحة ؛ وأنشد :

                                                          حرقها العبد بعنظوان     فاليوم منها يوم أرونان



                                                          قال : والعبد تكلف به الإبل لأنه ملبنة مسمنة ، وهو حار المزاج إذا رعته الإبل عطشت فطلبت الماء . والعبدة : الناقة الشديدة ؛ قال معن بن أوس :

                                                          ترى عبداتهن يعدن حدبا     تناولها الفلاة إلى الفلاة



                                                          وناقة ذات عبدة أي : ذات قوة شديدة وسمن . وقال أبو دواد الإيادي :

                                                          إن تبتذل تبتذل من جندل خرس     صلابة ذات أسدار لها عبده



                                                          والدراهم العبدية : كانت دراهم أفضل من هذه الدراهم وأكثر وزنا . ويقال : عبد فلان إذا ندم على شيء يفوته يلوم نفسه على تقصير ما كان منه . والمعبد : المسحاة . ابن الأعرابي : المعابد المساحي والمرور . قال عدي بن زيد العبادي :

                                                          إذ يحرثنه بالمعابد



                                                          وقال أبو نصر : المعابد العبيد . [ ص: 12 ] وتفرق القوم عباديد وعبابيد . والعباديد والعبابيد : الخيل المتفرقة في ذهابها ومجيئها ولا واحد له في ذلك كله ، ولا يقع إلا في جماعة ولا يقال للواحد : عبديد . الفراء : العباديد والشماطيط لا يفرد له واحد . وقال غيره : ولا يتكلم بهما في الإقبال إنما يتكلم بهما في التفرق والذهاب . الأصمعي : يقال : صاروا عباديد وعبابيد أي : متفرقين ؛ وذهبوا عباديد كذلك إذا ذهبوا متفرقين . ولا يقال : أقبلوا عباديد . قالوا : والنسبة إليهم عباديدي . قال أبو الحسن : ذهب إلى أنه لو كان له واحد لرد في النسب إليه . والعباديد : الآكام . والعباديد : الأطراف البعيدة . قال الشماخ :

                                                          والقوم آتوك بهز دون إخوتهم     كالسيل يركب أطراف العباديد



                                                          وبهز : حي من سليم . قال : هي الأطراف البعيدة والأشياء المتفرقة . قال الأصمعي : العبابيد الطرق المختلفة . والتعبيد : من قولك : ما عبد أن فعل ذلك أي : ما لبث ؛ وما عتم وما كذب كله : ما لبث . ويقال : انثل يعدو وانكدر يعدو وعبد يعدو إذا أسرع بعض الإسراع . والعبد : واد معروف في جبال طيئ . وعبود : اسم رجل ضرب به المثل فقيل : نام نومة عبود ، وكان رجلا تماوت على أهله وقال : اندبيني لأعلم كيف تندبينني ، فندبته فمات على تلك الحال . قال المفضل بن سلمة : كان عبود عبدا أسود حطابا فغبر في محتطبه أسبوعا لم ينم ، ثم انصرف وبقي أسبوعا نائما ، فضرب به المثل وقيل : نام نومة عبود . وأعبد ومعبد وعبيدة وعباد وعبد وعبادة وعابد وعبيد وعبديد وعبدان وعبيدان ، تصغير عبدان ، وعبدة وعبدة : أسماء . ومنه علقمة بن عبدة ، بالتحريك ، فإما أن يكون من العبدة التي هي البقاء ، وإما أن يكون سمي بالعبدة التي هي صلاءة الطيب ،وعبدة بن الطبيب ، بالتسكين . قال سيبويه : النسب إلى عبد القيس : عبدي ، وهو من القسم الذي أضيف فيه إلى الأول لأنهم لو قالوا : قيسي ، لالتبس بالمضاف إلى قيس عيلان ونحوه ، وربما قالوا : عبقسي . قال سويد بن أبي كاهل :

                                                          وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة     فلا عطست شيبان إلا بأجدعا



                                                          قال ابن بري : قوله : بأجدعا أي : بأنف أجدع فحذف الموصوف وأقام صفته مكانه . والعبيدتان : عبيدة بن معاوية ، وعبيدة بن عمرو . وبنو عبيدة : حي ، النسب إليه عبدي ، وهو من نادر معدول النسب . والعبيد ، مصغر : اسم فرس العباس بن مرداس ؛ وقال :

                                                          أتجعل نهبي ونهب العبي     د بين عيينة والأقرع ؟



                                                          وعابد : موضع . وعبود : موضع أو جبل . وعبيدان : موضع . وعبيدان : ماء منقطع بأرض اليمن لا يقربه أنيس ولا وحش . قال النابغة :

                                                          فهل كنت إلا نائيا إذ دعوتني     منادى عبيدان المحلاء باقره



                                                          وقيل : عبيدان - في البيت - رجل كان راعيا لرجل من عاد ثم أحد بني سويد وله خبر طويل . قال الجوهري : وعبيدان اسم واد يقال : إن فيه حية قد منعته فلا يرعى ولا يؤتى . قال النابغة :

                                                          ليهنأ لكم أن قد نفيتم بيوتنا     مندى عبيدان المحلاء باقره



                                                          يقول : نفيتم بيوتنا إلى بعد كبعد عبيدان ؛ وقيل : عبيدان هنا الفلاة . وقال أبو عمرو : عبيدان اسم وادي الحية . قال ابن بري : صواب إنشاده : المحلئ باقره ، بكسر اللام من المحلئ وفتح الراء من باقره ، وأول القصيدة :

                                                          ألا أبلغا ذبيان عني رسالة     فقد أصبحت عن منهج الحق جائره



                                                          وقال : قال ابن الكلبي : عبيدان راع لرجل من بني سويد بن عاد وكان آخر عاد ، فإذا حضر عبيدان الماء سقى ماشيته أول الناس وتأخر الناس كلهم حتى يسقي فلا يزاحمه على الماء أحد ، فلما أدرك لقمان بن عاد واشتد أمره أغار على قوم عبيدان فقتل منهم حتى ذلوا ، فكان لقمان يورد إبله فيسقي ويسقي عبيدان ماشيته بعد أن يسقي لقمان فضربه الناس مثلا . والمندى : المرعى يكون قريبا من الماء يكون فيه الحمض ، فإذا شربت الإبل أول شربة نحيت إلى المندى لترعى فيه ، ثم تعاد إلى الشرب فتشرب حتى تروى وذلك أبقى للماء في أجوافها . والباقر : جماعة البقر . والمحلئ : المانع . الفراء : يقال : صك به في أم عبيد ، وهي الفلاة ، وهي الرقاصة . قال : وقلت للعتابي : ما عبيد ؟ فقال : ابن الفلاة . وعبيد في قول الأعشى :

                                                          لم تعطف على حوار ولم يق     طع عبيد عروقها من خمال



                                                          اسم بيطار . وقوله عز وجل : فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ؛ أي : في حزبي . والعبدي : منسوب إلى بطن من بني عدي بن جناب من قضاعة يقال لهم : بنو العبيد ، كما قالوا في النسبة إلى بني الهذيل : هذلي ، وهم الذين عناهم الأعشى بقوله :

                                                          بنو الشهر الحرام فلست منهم     ولست من الكرام بني العبيد



                                                          قال ابن بري : سبب هذا الشعر أن عمرو بن ثعلبة بن الحرث بن حضر بن ضمضم بن عدي بن جناب كان راجعا من غزاة ، ومعه أسارى ، وكان قد لقي الأعشى فأخذه في جملة الأسارى ، ثم سار عمرو حتى نزل عند شريح بن حصن بن عمران بن السموأل بن عادياء فأحسن نزله ، فسأل الأعشى عن الذي أنزله ، فقيل له : هو شريح بن حصن . فقال : والله لقد امتدحت أباه السموأل وبيني وبينه خلة ، فأرسل الأعشى إلى شريح يخبره بما كان بينه وبين أبيه ، ومضى شريح إلى عمرو بن ثعلبة فقال : إني أريد أن تهبني بعض أساراك هؤلاء ، فقال : خذ منهم من شئت ، فقال : أعطني هذا الأعمى ، فقال : وما تصنع بهذا الزمن ؟ خذ أسيرا فداؤه مائة أو مائتان من الإبل . فقال : ما أريد إلا هذا الأعمى فإني قد رحمته ، فوهبه له ، ثم إن الأعشى هجا عمرو [ ص: 13 ] بن ثعلبة ببيتين وهما هذا البيت " بنو الشهر الحرام " وبعده :

                                                          ولا من رهط جبار بن قرط     ولا من رهط حارثة بن زيد



                                                          فبلغ ذلك عمرو بن ثعلبة فأنفذ إلى شريح أن رد علي هبتي . فقال له شريح : ما إلى ذلك سبيل . فقال : إنه هجاني . فقال شريح : لا يهجوك بعدها أبدا . فقال الأعشى يمدح شريحا :

                                                          شريح لا تتركني بعدما علقت     حبالك اليوم بعد القد أظفاري



                                                          يقول فيها :

                                                          كن كالسموأل إذ طاف الهمام به     في جحفل كسواد الليل جرار
                                                          بالأبلق الفرد من تيماء منزله     حصن حصين وجار غير غدار
                                                          خيره خطتي خسف فقال له :     مهما تقله فإني سامع حاري
                                                          فقال : ثكل وغدر أنت بينهما     فاختر وما فيهما حظ لمختار
                                                          فشك غير طويل ثم قال له :     أقتل أسيرك ! إني مانع جاري !



                                                          وبهذا ضرب المثل في الوفاء بالسموأل فقيل : أوفى من السموأل . وكان الحارث الأعرج الغساني قد نزل على السموأل ، وهو في حصنه ، وكان ولده خارج الحصن فأسره الغساني وقال للسموأل : اختر إما أن تعطيني السلاح الذي أودعك إياه امرؤ القيس ، وإما أن أقتل ولدك ؛ فأبى أن يعطيه فقتل ولده . والعبدان في بني قشير : عبد الله بن قشير ، وهو الأعور ، وهو ابن لبينى ، وعبد الله بن سلمة بن قشير ، وهو سلمة الخير . والعبيدتان : عبيدة بن معاوية بن قشير ، وعبيدة بن عمرو بن معاوية . والعبادلة : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية