الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التشهد

                                                                                                          289 حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن أبي إسحق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدنا في الركعتين أن نقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي موسى وعائشة قال أبو عيسى حديث ابن مسعود قد روي عنه من غير وجه وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق حدثنا أحمد بن محمد بن موسى أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن خصيف قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال عليك بتشهد ابن مسعود

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في التشهد ) قوله : ( التحيات ) جمع تحية ومعناها السلام ، وقيل البقاء ، وقيل العظمة ، وقيل السلامة من الآفات والنقص ، وقيل الملك . قالالمحب الطبري : يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين هذه المعاني . وقال الخطابي والبغوي : المراد بالتحيات لله أنواع التعظيم له ( والصلوات ) قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة ، وقيل العبادات كلها ، وقيل [ ص: 149 ] المراد الرحمة ، وقيل التحيات العبادات القولية ، والصلوات العبادات الفعلية ، والطيبات الصدقات المالية ( والطيبات ) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله تعالى دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به ، وقيل الطيبات ذكر الله ، وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء ، وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم . قال ابن دقيق العيد : إذا حملت التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله تعالى ، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة ، وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره ، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها ، لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء ، وإذا حملت على الدعاء فظاهر ، وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف ، وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب " السلام عليك أيها النبي " فإن قيل : كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة .

                                                                                                          فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول : السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ، ثم إلى تحية النفس ، ثم إلى تحية الصالحين ، أجاب الطيبي بما محصله : نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة . قاله الحافظ في الفتح قال : وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم ، فيقال بلفظ الخطاب ، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال وهو بين أظهرنا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي كذا وقع في البخاري ، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ : فلما قبض قلنا السلام على النبي بحذف لفظ يعني ، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم ، قال : وقد وجدت له متابعا قويا ، قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج ، أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبي ، فلما مات قالوا السلام على النبي وهذا إسناد صحيح ، انتهى .

                                                                                                          ( ورحمة الله ) أي إحسانه ( وبركاته ) أي زيادته من كل خير ( السلام علينا ) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء ، وفي الترمذي مصححا عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ، وأصله في صحيح مسلم ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل ( وعلى عباد الله الصالحين ) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه [ ص: 150 ] من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته . قال الحكيم الترمذي من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة ، فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم كذا في الفتح .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي موسى وعائشة ) أما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والدارقطني . والطبراني ، وأما حديث جابر فأخرجه النسائي ، وابن ماجه والحاكم ، ورجاله ثقات كذا في النيل ، وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وأبو داود ، والنسائي ، وأما حديث عائشة فأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده ، والبيهقي ، ورجح الدارقطني وقفه قاله في النيل .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن مسعود قد روي عنه من غير وجه وهو أصح حديث إلخ ) قال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال : هو عندي حديث ابن مسعود وروي من نيف وعشرين طريقا ، ثم سرد أكثرها ، وقال : لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالا ذكره الحافظ ، وقال : لا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك ، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره ، وأن الرواة عنه الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره . وأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا ، ففي رواية للطحاوي : أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقننيه كلمة كلمة ، ثم ذكر الحافظ وجوها أخر لرجحانه .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق ) وهو قول أبي حنيفة ، واختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس ، وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا ، ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال : الزاكيات بدل المباركات ، وكأنه بالمعنى واختار الشافعي تشهد ابن عباس ، وقال بعد أن أخرج حديث ابن عباس : رويت أحاديث في التشهد مختلفة ، وكان هذا أحب إلي لأنه أكملها ، وقال في موضع آخر : وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس لما رأيته واسعا [ ص: 151 ] وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره ، وأخذ به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح ، ذكره الحافظ وقال : ثم إن هذا الاختلاف إنما هو الأفضل وكلام الشافعي المتقدم يدل على ذلك ، انتهى . قلت : لا شك في أن حديث ابن مسعود أرجح من جميع الأحاديث المروية في التشهد فالأخذ به هو الأولى والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية